IMLebanon

النهار: حكومة إنقاذية في أيام… وإلّا !

 

 

مرة جديدة تأتي كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون منذ انطلاق انتفاضة 17 تشرين الأول مخيّبة للآمال المعلّقة على اختراق سياسي يعبد الطريق لإنهاء أزمة الاستحقاق الحكومي، اذ بدا واضحاً أن الاختناق السياسي لا يزال مستحكماً ولا جديد طرأ في الساعات الأخيرة من شأنه أن يشكّل أساساً متيناً للرهان على انفراج قريب في الأزمة. ومع أن الرئيس عون بدا مدركاً تماماً عمق التحديات الخطيرة التي تترصد البلاد جرّاء التأخير المتمادي في التكليف والتأليف وقت تنزلق بسرعة نحو الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي فإن التبريرات التي حدّدها الرئيس وتلك التي يطرحها أفرقاء سياسيون آخرون لم تعد تجدي في حجب الحقائق المقلقة التي تتصل بواقع يغرق يوماً بعد يوم ولا يجد سلطة وطبقة سياسية في مستوى أفدح الأخطار المصيرية التي يواجهها اللبنانيون منذ نشؤ الدولة اللبنانية.

 

ففي الذكرى الـ76 للاستقلال اليوم، سيكون المشهد بالغ الرمزية والتعبير بين عرضين يختصران ما حلّ بالبلاد عقب انفجار الانتفاضة واستقالة الحكومة والتعثّر الهائل الذي أصاب التحركات الرسمية والسياسية في الاستجابة لمطالب المنتفضين وتطلعاتهم من جهة، ومنع تدحرج البلاد نحو الأخطار الكبيرة المحدقة بها اقتصادياً ومالياً من جهة أخرى. فثمة عرض عسكري رمزي سيقام قبل ظهر اليوم في اليرزة ويقتصر الحضور الرسمي والسياسي فيه على رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري ووزيري الدفاع الوطني والداخلية الياس بو صعب وريا الحسن، الى قائد الجيش العماد جوزف عون وضباط القيادة والأركان فيما ألغي العرض العسكري المركزي الذي كان يقام في جادة شفيق الوزان بوسط بيروت، كما ألغي الاستقبال التقليدي في قصر بعبدا. لكن معلومات توافرت لـ”النهار” عن ترجيح إمكان انعقاد لقاء ثلاثي للرؤساء في قصر بعبدا بعد العرض للبحث في السبل الممكنة لاستعجال حل الأزمة الحكومية.

 

وفي المقابل، سيُقام “عرض مدني” ضخم غير مسبوق في ساحة الشهداء الثانية بعد الظهر يتوقع أن ينخرط فيه أكثر من ثلاثة الاف شخص ضمن فاعليات تضم فرقاً من مختلف المهن والاختصاصات والقطاعات. وهي المرة الأولى في تاريخ لبنان منذ نيله استقلاله عام 1943 يقام عرضان كهذين. إلا أن العامل الأهم والأكثر إثارة للقلق يبقى في رصد حالة التعثّر والعجز أو تقليل خطورة التمادي في استهلاك الوقت وعدم تحديد موعد الاستشارات للتكليف وانطلاق استشارات التأليف على رغم ادراك جميع المعنيين أن فترة السماح المحتملة الأخيرة لمنع الانزلاق نحو الانهيار قد تكون استنفدت. وتتقاطع معطيات أوساط سياسية ومالية معنية بالمشهد الداخلي الراهن على أن الوضع في البلاد بات على مقربة من كارثة حقيقية مالياً واقتصادياً في ظل الاستنزاف الحاصل لمخزونات العملة الصعبة والذي تواجهه المصارف بتدابير موقتة تتخذ طابعاً قاسياً وصارماً وقسرياً وهو أمر يصعب التكهن بمخرج قريب له لتليين الاجراءات وتخفيفها وتجنب المزيد منها ما لم تحصل “أعجوبة” الحل السياسي الذي وحده سيكون كفيلاً بإعادة ضخ بعض الجرعات المخفّفة عن كاهل الناس والمصارف سواء بسواء.

 

وأشارت هذه الأوساط الى أن المعطيات التي برزت في الأيام الأخيرة أكدت أن فرصة تجنب الانزلاق الى الانهيار صارت تقاس بوقت قصير وأن المسؤولين السياسيين يملكون تقارير دقيقة مخيفة عن مستويات التدهور المتمثل بإقفال عشرات المؤسسات والمتاجر والشركات وأصحاب المهن في مختلف القطاعات يومياً، مع تسريح ألوف المواطنين ناهيك بالمجريات الشائكة التي تجري يومياً على صعيد الحركة المصرفية. وقالت إن المفارقة اللافتة في هذا السياق تتمثل في تصاعد الضغوط بقوة على المسؤولين السياسين من الداخل والخارج لاستعجال تشكيل حكومة إنقاذية في أيام اذا أمكن قبل فوات الاوان.

 

أما في الحركة المتصلة بالمساعي للخروج من الأزمة، فيبدو أن ثمة ملامح لعودة الاتصالات بين الرئيس الحريري و”التيار الوطني الحر” من جهة والحريري والثنائي الشيعي من جهة أخرى. وأفادت معلومات مصدرها “التيار الوطني الحر” أن أسماء قدّمت الى الحريري هي عبارة عن مروحة واسعة تضم وجوها غالبيتها جديدة منها من هو اقتصادي وقضائي وكذلك من الحراك المدني وأن الأسماء ليست تقليدية. لكن معلومات أخرى توافرت ليلاً أظهرت أن تبادل الأسماء البديلة لترؤس الحكومة لم يؤدّ الى نتيجة جديّة لأن الحريري عاد طرح أسماء سبق له أن اقترحها ولم تحظ بموافقة الثنائي الشيعي. وإذ تردّد أن اسمي النائبين بهية الحريري وسمير الجسر طرحا ضمن تبادل الاقتراحات، تبيّن لـ”النهار” أن الاتصالات لا تزال قائمة والقنوات مفتوحة بين “حزب الله” والرئيس الحريري، وهناك تعويل مستمر من الحزب على دور الحريري في تشكيل الحكومة المقبلة وترؤسها. وترشّح هذه المعطيات من مقاربة النائب السابق نوار الساحلي الذي قال لـ”النهار” إن “الحزب مع النقاش البنّاء والهادئ، ولم تنقطع حتى اللحظة وسائل الاتصال بالرئيس الحريري، وكلّ الأمور واردة، وعودته واردة ولم يُقطع الأمل بعد”. ولا يرغب الساحلي في تحديد مهلة انتظار أو وقت، وعن شكل الحكومة المقبلة، تساءل: “هل يوجد في لبنان شخص غير مسيّس؟ لا يمكن الحكومة أن تدار من اختصاصيين، وتجربة من هذا النوع لم تنجح في أوروبا ولا في أي مكان. نحن مع حكومة اختصاصيين مطعّمة ببعض الوجوه السياسية. الحكومة لا تقتصر على الإدارة التقنية التي يديرها المدير العام وليس الوزير. تُحكم البلاد بعد اتفاق الطائف عبر مجلس الوزراء، فمن يحكمها إذا تشكّلت حكومة من دون سياسيين؟”. ولفت إلى أنّ “من المبكر الحديث عن إعطاء الحقائب السيادية والأساسية لشخصيات متخصصة غير مصبوغة حزبياً، وكل الأمور قابلة للنقاش عقلانياً بما يراعي ظروف البلاد”.

 

عون

 

وكان الرئيس عون أكد في كلمته عشية إحياء ذكرى الاستقلال “أن لبنان ينتظر حكومة جديدة تُعقد عليها الآمال كان من المفترض أن تكون قد ولدت وباشرت عملها”، معتبراً “أن التناقضات التي تتحكّم بالسياسة اللبنانية فرضت التأنّي لتلافي الأخطر”، وشدّد على وجوب “التوصل الى حكومة تلبّي ما أمكن مِن طموحات اللبنانيين وتطلّعاتهم، وتكون على قدر كبير من الفعالية والانتاجية والانتظام، لأن التحديات التي تنتظرها ضخمة، والاستحقاقات داهمة”. وبعدما لاحظ “أن التحركات الشعبية كسرت بعض المحرمات السابقة وأسقطت، إلى حدّ ما، المحميات، ودفعت بالقضاء الى التحرك”، ناشد مجدداً المتظاهرين “الاطلاع عن كثب على المطالب الفعلية لهم وسبل تنفيذها، لأن الحوار وحده هو الطريق الصحيح لحلّ الأزمات”. ودعا القضاء “الى التزام قسمه للقيام بواجبه بأمانة، لأن مكافحة الفساد، أينما بدأت، فإن الانتصار فيها رهن شجاعته ونزاهته”. وتوجّه الى الشباب بصورة خاصة، لافتاً إياهم الى “أن تفلّت الخطاب في الشارع هو من أكبر الأخطار التي تتهدّد الوطن والمجتمع، فلا تنسوا أنكم بعد انتهاء هذه الأزمة ستعودون للعيش معاً”، داعياً إياهم “الا يسترسلوا في خطاب الكراهية والتحريض، ولا يهدموا أسس المجتمع اللبناني القائم على احترام الآخر وحرية المعتقد والرأي والتعبير”.

 

وكما في المرة السابقة عقب المقابلة التلفزيونية التي أُجريت معه، قابل المتظاهرون كلمة الرئيس عون بإقفال طرق عدّة في بيروت والشمال والبقاع تعبيراً عن رفضهم لمضمونها ومطالبتهم باجراء الاستشارات الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة.

 

في غضون ذلك، برز بيان توضيحي لمكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان إعاد فيه تأكيد موقفه من موضوع تشكيل الحكومة فقال: “لقد دعا المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش القيادة اللبنانية الى تكليف رئيس مجلس وزراء بصورة عاجلة والبدء بعملية الاستشارات النيابية الملزمة والإسراع الى أقصى حد في عملية تشكيل حكومة جديدة من شخصيات معروفة بكفاءتها ونزاهتها وتحظى بثقة الناس. إن حكومة كهذه التي ستتشكل تماشياً مع تطلعات الشعب وبدعم من أوسع مجموعة من القوى السياسية من خلال التصويت على الثقة في مجلس النواب، ستكون أيضاً في وضع أفضل لطلب الدعم من شركاء لبنان الدوليين. غير ذلك، إن المنسق الخاص لم يدخل في أي من تفاصيل تشكيل الحكومة أو طابعها أو تركيبتها كون ذلك مسألة سيادية يقررها لبنان وشعبه”.

 

وعايدت السفارة الفرنسية في بيروت اللبنانيين بذكرى الاستقلال واضافت في بيان: “ستبقى فرنسا دائمًا إلى جانب لبنان، الذي تربطها به علاقة وثيقة جدًا. اليوم، في حين تكتب البلاد صفحة جديدة من تاريخها، في سياق اقتصادي متدهور جدا، تأمل فرنسا بشدة في تشكيل حكومة جديدة فعّالة وذات صدقية في أقرب وقت ممكن لاتخاذ إجراءات جوهرية وضرورية لإنعاش البلد ولتلبية التطلعات التي عبر عنها اللبنانيون”.

 

كذلك غرّدت السفارة الاميركية في حسابها على تويتر: “مع الشعب اللبناني اليوم وغداً”.