IMLebanon

النهار: اجتماع دولي في باريس: الحكومة شرط المساعدات

 

 

إذا كان السؤال الكبير الذي ارتسم أمس تمحور على ما اذا كان المسؤولون تنبهوا للدلالات البالغة الخطورة لموجة الاحتجاجات الشعبية المتجدّدة على وقع أزمة البنزين والمحروقات والأمور المعيشية الضاغطة المنذرة بمزيد من إلهاب الانتفاضة المستمرة منذ 17 تشرين الأول، فإن الجانب الأكثر إثارة لشكوك يتمثّل في غياب الملامح العملية لأي اختراق محتمل أو موعود في تحريك شلل الأزمة الحكومية، على رغم كل الأقاويل والتسريبات والتوقعات المعاكسة لواقع الانسداد المستمر. وعلى أهمية الدلالات التي اكتسبها انعقاد لقاء مالي ثان في قصر بعبدا منذ اندلاع الانتفاضة في محاولة متجددة لاحتواء بعض التداعيات المتصاعدة للأزمة المالية والمصرفية والاقتصادية، فإن هذا الاجتماع لم يشكل بطبيعة الحال الـ”بدل عن ضائع” المطلوب بإلحاح من الرأي العام الداخلي والأسرة الدولية، أي تأليف حكومة جديدة بات استعجالها يشكل المطلب “الأممي” الذي يجمع اللبنانيين كما الدول الغربية والعربية التي بدأ منسوب رصدها للتطورات اللبنانية يرتفع بإطراد في الآونة الاخيرة.

ووسط التعقيدات المتصاعدة من المشهد الداخلي، برز تطور خارجي متصل بالأزمة في لبنان، اذ أفاد مراسل “النهار” في باريس سمير تويني نقلاً عن مصادر رئاسية فرنسية أن باريس تسعى الى عقد مؤتمر لمجموعة الدعم الدولية للبنان قبل منتصف كانون الأول المقبل لحضّ السلطات اللبنانية على الإسراع في تشكيل حكومة جديدة وفق المعايير الدولية التي جرى التعبير عنها مراراً أخيراً ومن أبرزها أن تكون حكومة اختصاصيين أكفياء وأن يشارك فيها الحراك الشعبي وأن تلتزم إجراء الاصلاحات الهيكلية ومحاربة الفساد. ولفتت المصادر الرئاسية الفرنسية الى أنه في حال استجابة الأطراف اللبنانيين هذه المقترحات، فإن مجموعة الدعم الدولية للبنان سوف تقدم الدعم والمساعدات المالية التي يحتاج اليها لبنان بإلحاح، كما سيعجّل في تنفيذ مقررات مؤتمر “سيدر”. وإذ تستمر المشاورات بين باريس والدول والمنظمات المعنية بمجموعة الدعم الدولية لتحديد الموعد النهائي للإجتماع، علم أن هذا الاجتماع سيكون برئاسة وزير الخارجية الفرنسي جان – إيف لودريان وانه سينعقد على مستوى الأمناء العامين للوزارات المشاركة والمعنية من الدول التي تضمها المجموعة.

وبدا واضحاً أمس أن أي جديد لم يطرأ من شأنه إحداث اي ثغرة في الانسداد السياسي الذي لا يزال يتحكّم بأزمة تكليف رئيس الحكومة الجديدة، ولو أن بعض المتصلين بوزراء العهد لمسوا من هؤلاء توقعات أن يكون الأسبوع المقبل أسبوع الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة، كما يتحدث أكثر من طرف سياسي قريب من العهد عن استمرار اسم سمير الخطيب مطروحاً كمرشح جدّي لرئاسة الحكومة. وأفادت معلومات مساء أمس أن الخطيب التقى وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل ثم التقى ثانية رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري. وأوضحت هذه المعلومات أن الحريري لم يوافق على تسمية الخطيب بعد لأن ثمة مناورات من أطراف في موضوع أسماء الوزراء السياسيين.

وتراجع الملف الحكومي أمس أمام اشتعال موجة الاحتجاجات الشعبية على نطاق واسع، خصوصاً في ظلّ تفاقم ازمة البنزين والمحروقات بسبب إضراب قطاع المحروقات وإقفال المحطات لليوم الثاني. وشهدت معظم المناطق عمليات قطع طرق رئيسية وفرعية وسط الافتقار الى مادة البنزين وكادت عمليات قطع الطرق تتسبب بإرباكات أمنية لكن مدة إقفالها لم تطل كثيراً وأُعيد فتح معظمها مساءً.

 

 

وبرزت في هذا السياق الجولة التي قام بها أمس قائد الجيش العماد جوزف عون على رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وأفادت معلومات أن العماد عون شرح للرئيسين بري والحريري طبيعة المهمات التي ينفذّها الجيش والتعقيدات والصعوبات التي يضطر الى معالجتها منذ بدء الاحتجاجات الشعبية، ملمحاً بذلك الى الضرورة المتصاعدة لتشكيل حكومة جديدة كحل سياسي يريح الجميع ويخفّف الأعباء الضخمة عن الجيش. كما تناول لقاءه مع حاكم مصرف لبنان شؤوناً مالية تعود الى الجيش في هذه الظروف.

ولم تغب تداعيات التعثر في الملف الحكومي عن الاجتماع المالي في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إذ غاب عنه الرئيس الحريري “لأسباب خاصة” فُهم لاحقاُ أنها تتصل بموقفه الثابت من أولوية إجراء الإستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة قبل أي إجراء أو اجتماع لأن الوضع لا يُعالج بهذه الاجتماعات بل بالشروع في تشكيل حكومة جديدة. وحضر الاجتماع وزير المال علي حسن خليل، ووزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، ووزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش، ووزير الدولة لشؤون الاستثمار وتكنولوجيا المعلومات عادل أفيوني، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس جمعية مصارف لبنان سليم صفير، ورئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، ومستشار رئيس الحكومة للشؤون المالية والاقتصادية نديم المنلا، والمدير العام لرئاسة الجمهورية انطوان شقير.

وأوضح صفير أنه “تم تكليف حاكم مصرف لبنان اتخاذ التدابير الموقتة اللازمة بالتنسيق مع جمعية المصارف لاصدار التعاميم التي اقترحها الحاكم ورفع بعض الاقتراحات التي تحتاج الى نصوص قانونية أو تنظيمية، وذلك في سبيل المحافظة على الاستقرار والثقة بالقطاع المصرفي والنقدي كما على سلامة القطاع وحقوق المودعين، دون أي انتقاص”.

وعلمت “النهار” أنه لم تُعدّ للاجتماع المالي ورقة عمل ببنود واضحة، إنما عرض كل من رئيس الجمهورية والحاضرون لأفكار ومقترحات لمواجهة أزمة النقد والسيولة بإجراءات تحمي القطاع المصرفي وتطمئن الناس الى سلامة ودائعهم. ووصف أحد المشاركين في الاجتماع النقاش الذي شهده بالعصف الفكري، والدليل، “تكليف حاكم مصرف لبنان اتخاد التدابير الموقتة اللازمة بالتنسيق مع جمعية المصارف لإصدار التعاميم التي اقترحها الحاكم، ورفع بعض الاقتراحات التي تحتاج الى نصوص قانونية أو تنظيمية”.

وكان تشديد على أن لا تفكير في اقتطاع من الودائع أو ما يعرف بـ hair cut وأن سلامة الودائع في المصارف مؤمنة. كما لا تشريع لوقف التحويلات إلى الخارج أو ما يعرف بـ capital control، على رغم أن هذه الحالة تطبق اليوم والظروف الراهنة هي التي فرضتها.

ورأى المجتمعون أن لا حلّ جذرياً إلا بتشكيل حكومة سريعاً وبوضع خطة إقتصادية مالية نقدية واضحة.

وعُلم أنه اتفق على الطلب من المصارف رفع سقوف السحوبات للمواطنين من المصارف بالدولار وبالليرة اللبنانية ووضع ضوابط تنظيمية للطريقة التي تتعامل بها المصارف مع زبائنها، على أن تكون هناك تعاميم محدّدة من مصرف لبنان بعد الاتفاق عليها مع جمعية المصارف.

كما عُلم أن مصرف لبنان طلب مجدداً من المصارف زيادة ؤوس أموالها وتأمين أربعة مليارات دولار من ودائعها في الخارج ومليارين من المساهمين قبل نهاية السنة وملياري دولار السنة المقبلة.

وأفادت مصادر المجتمعين أن وزير الاقتصاد منصور بطيش طلب توسيع مروحة القطاعات التي يمكنها الاستفادة من تحويلات بالدولار من أجل تأمين حاجات المواطنين، إلا أنه لم يكن هناك اَي جواب حاسم في هذا الموضوع.

ونوقش سعر صرف الدولار لدى الصرافين، من خلال الحد من السيولة بمبالغ كبيرة بالليرة اللبنانية لبعض المودعين والتي قد تستخدم في المضاربة وشراء الدولار من السوق الموازية، مما يؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار وذلك باستبدال هذه السيولة بشيكات وبطاقات مصرفية.

وقالت المصادر إن جمعية المصارف اتخذت بعض التدابير الأحترازية بحيث طلبت من حاكم مصرف لبنان اعطاءها طابعاً تنظيمياً وسيصدر تعميم في هذا الشأن ولا مشكلة في ذلك موقتاً الى حين إعادة الثقة الى المودع ولا سبب يدفع المودع الى الخوف وهذا ما قاله الحاكم وهذا ما تم الأتفاق عليه.

وكشفت المصادر أن سلامة طالب بالمساعدة الحكومية في رفع سقف ضمان الودائع وهو أمر يحتاج الى قانون وقد أكد وزير المال الاستعداد لذلك.

كذلك طلب رئيس الجمهورية تنظيم عمل المصارف بتدابير متوافق عليها تطبق في جميع المصارف دون استنسابية وبالتعامل مع العملاء بتفهّم في المعاملات المصرفية. وأكد ضرورة اعتماد سعر الصرف الرسمي.

وأكد حاكم مصرف لبنان أنه سيصدر تعاميم تنظم العمل في هذه المرحلة الصعبة وأن لا علاقة لها بالسيولة والملاءة للقطاع المصرفي. وشرح سلامة تعميمه عن الرسملة وزيادتها في هذه السنة وفي السنة المقبلة وتقسيم الـ85 من أصل 100 بالدولار و15 في المئة بالليرة اللبنانية للمواد الأولية والقمح والأدوية والبنزين.