IMLebanon

مبادرة روسية وسط تقاذف كرة التعطيل

 

قد تكون تغريدة كتبها الرئيس ميشال سليمان أمس في صفحته على “تويتر” شكلت اختصاراً بليغاً للواقع الحالي وسط الجمود المفروض على عملية تأليف الحكومة الجديدة، إذ قال: “انه خريف التفاهمات الثنائية تتساقط أوراقها الواحدة تلو الأخرى. طالما حذرنا من شرعيتها المنقوصة وغير الوطنية. بين طرفين لبنانيين تفاهمات المحاصصة لا يمكن ان تصمد. وحدها التفاهمات على تطبيق الدستور واعتماد الديموقراطية واحترام السيادة والتزام التحييد هي التي تبقى. اللهم اني بلغت”.

 

والواقع ان أزمة تأليف الحكومة بدت مع تمادي التجميد الذي فرض عليها منذ أسبوعين كأنها تهدد فعلاً بتقويض التفاهمات الثنائية بين أفرقاء أساسيين وخلط الاوراق جذرياً بما يهدد بتجاوز أزمة تأليف الحكومة الى تحويل لبنان نقطة استقطاب لصراعات اقليمية ودولية مجددا في حال العجز مدة طويلة عن احتواء الازمة والتمكن من تأليف الحكومة في اقرب فرصة.

 

وبرزت في الساعات الاخيرة ظاهرة سلبية اضافية تمثلت في مسارعة الأفرقاء المعنيين بتعطيل عملية تأليف الحكومة وفي مقدمهم “حزب الله” الى اطلاق شعار للمرحلة المقبلة هو تحميل الرئيس المكلف سعد الحريري مسؤولية عرقلة عملية تأليف الحكومة، فيما لوحظ ان أي تحرك أو تواصل بين الحزب وقصر بعبدا أو “التيار الوطني الحر” لم يحصل منذ نشوء الفصل الاخير من الأزمة مع اشتراط الحزب تمثيل النواب السنة لـ8 آذار في الحكومة. وأعربت مصادر مواكبة للاتصالات الجارية في الكواليس للتوصل الى تسوية “تحرر” مسار تأليف الحكومة، عن انطباعات قاتمة في هذا الشأن، اذ تخوفت من انزلاق الأزمة نحو متاهات يصعب بعدها اعادة رأب الصدع الذي أصاب عملية تأليف الحكومة، خصوصاً اذا تجاوزت الأزمة محطات يؤمل حالياً ان تشكل التزامات ادبية ومعنوية لانجاز التأليف مثل عيد الاستقلال بعدما اطيحت فرصة ولادة الحكومة في الذكرى الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في نهاية تشرين الأول الماضي.

 

وفي معلومات لـ”النهار” في هذا السياق ان “حزب الله” قرر في الساعات الاخيرة اقفال أبوابه أمام الوسطاء الذين شاؤوا التواصل معه تحت لافتة اطلاق مبادرة معيّنة تفتح الآفاق مجدداً أمام احتمال ولادة الحكومة المنتظرة. وعلم ان الحزب ابلغ مراجعيه في هذا الشأن “قراراً حازماً لا رجوع عنه، وهو ان لموضوع تمثيل النواب السنّة المستقلين مرجعية حصرية عليهم التواصل معها، وهم النواب أنفسهم، وعلى من يرغب التواصل معهم دون سواهم”. لكن هذا الموقف اقترن بمضي الحزب في المطالبة المتشددة بتمثيل سنة 8 آذار وهو ما عبر عنه نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، معتبراً ان كرة تعطيل تأليف الحكومة موجودة في مرمى الرئيس الحريري، ومن ثم بعده “كتلة الوفاء للمقاومة” التي عدت “التزام دعم مطلب النواب السنة المستقلين وحقهم في مشاركتهم في الحكومة، التزاماً أخلاقياً وسياسياً معاً”، وقالت ‘نها “لا ترى “أي مبرر يمنع الاستجابة لهذا الحق والمطلب”، وأن “إلغاء تمثيل أي مكون سياسي ورفض مشاركته في الحكومة لا يخدم المصلحة الوطنية اطلاقاً ولا يخدم حسن سير عمل الحكومة أيضاً”، لافتة الى أن “تمثيل السنة المستقلين هو مسؤولية تقع على عاتق الرئيس المكلف أساساً، وعلى القوى الوازنة في البلاد التعاون لتحقيق هذا الامر”.

 

وردت مصادر في “تيار المستقبل” على الشيخ قاسم مشيرة الى ان الجهة المسؤولة عن التعطيل معروفة لدى جميع اللبنانيين، وشددت على ان الرئيس المكلف يلتزم حدود الدستور ولن يحول تأليف الحكومة الى ملعب تتبارى فيه العراقيل والمسؤولون عن العرقلة وهو انجز مهمته في تدوير الزوايا وعلى الآخرين ان يتوقفوا عن تدوير العقد.

 

مبادرة روسية؟

 

وسط هذه الأجواء، برزت المعطيات التي تحدثت عن تحرك روسي محتمل للدفع نحو انجاز تأليف الحكومة وذلك في ظل اللقاء الذي جمع أمس في موسكو رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب تيمور جنبلاط ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في حضور مسؤول ملف لبنان وسوريا وفلسطين أندريه بانوف، والنائب وائل أبو فاعور والدكتور حليم بو فخر الدين. وبعدما شكر جنبلاط الجانب الروسي على جهوده التي أدت الى إطلاق الدفعة الاولى من المختطفين والمختطفات لدى تنظيم “داعش” في منطقة السويداء، جرى عرض الوضع في لبنان في ظل استمرار المراوحة في تشكيل الحكومة، فأكد بوغدانوف “استعداد روسيا للقيام بكل الاتصالات اللازمة من أجل السير قدماً في تشكيل الحكومة لمواجهة كل الاستحقاقات المقبلة بحكومة وحدة وطنية تمثل الجميع وتحمي الإستقرار الداخلي، كما أكد حرص روسيا على لبنان”.

 

وأصدرت وزارة الخارجية الروسية بياناً عن اللقاء جاء فيه: “تم خلال اللقاء تبادل الآراء بشكل مفصل حول تطور الوضع في لبنان مع التركيز على ضرورة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة رئيس الوزراء الشيخ سعد الحريري في أقرب فرصة. وأكد الجانب الروسي موقفه الثابت الداعي لدعم سيادة لبنان المتعدد الطائفة، واستقلاله ووحدة أراضيه وعدم السماح بالتدخل الخارجي في شؤونه الداخلية”. وصرح النائب ابو فاعور ليلاً من موسكو: “ان ثمة مبادرة روسية مرتقبة في اتجاه لبنان قد تحرك الركود القائم على صعيد عملية تأليف الحكومة “.

 

حركة ديبلوماسية

 

في سياق آخر، علم ان وفد “مجموعة الصداقة مع لبنان” في مجلسي العموم واللوردات البريطانيين الذي جال أمس على عدد من المسؤولين الكبار استوضح الكثير من جوانب الواقع اللبناني بما فيها ملف النازحين السوريين كما الوضع على الحدود بين لبنان واسرائيل. والتقى الوفد الرئيس عون الذي أكد أمامه مجدداً انه “بعدما تحقق الاستقرار الأمني في لبنان، سينصب الجهد على تطوير الوضع الاقتصادي الذي تأثر سلباً بالحروب التي دارت حوله وقطعته عن التواصل مع المنطقة الحيوية التي تمتد الى جميع الدول العربية”. ثم التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري وزار أيضاً قائد الجيش العماد جوزف عون.

 

وفي اطار مماثل، زارت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان بالانابة برنيل دايلر كاردل قيادة فوج الحدود البرية الرابع للجيش في بعلبك وقاعدة الجيش الجوية ومركز التدريب المركزي لإدارة الحدود في رياق. وبحثت مع ممثلي الجيش في التقدم الجاري لتعزيز أمن الحدود وبسط سلطة الدولة على طول الحدود الشرقية، مشيرة إلى التقدم الملموس الذي أحرزه لبنان مع إنشاء أربعة أفواج حدودية على طول الحدود الشمالية الشرقية. وقالت كاردل: “إن إدارة الحدود أساسية لبسط سلطة الدولة وسيادة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية”. وأضافت: “كان واضحاً من زيارتي اليوم أن الجيش اللبناني يخطو خطوات كبيرة في هذا الاتجاه من خلال نشر أفواج الحدود البرية وإنشاء أبراج مراقبة تستخدم في سياق عمليات واسعة النطاق لمكافحة الإرهاب ومكافحة التهريب”. وختمت: “إنني أشجع على تشكيل حكومة توافقية في أقرب وقت حتى يتمكن لبنان من الاستفادة الكاملة من الدعم الدولي المنسق للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الأخرى من أجل أمن واستقرار لبنان على المدى الطويل”.