IMLebanon

القمة في موعدها وتصويب “التفلت المالي”!

 

اذا كانت فصول السجالات التصاعدية بين بعبدا وعين التينة والتي تسابق القمة الاقتصادية التنموية العربية المقررة في بيروت في 19 و20 كانون الثاني الجاري قد طغت على المشهد السياسي والاعلامي، الداخلي منذرة بمزيد من التداعيات السلبية المعنوية على لبنان قبيل انعقاد هذه القمة فان الأسوأ والأخطر منها تمثل في تداعيات مالية كانت نتيجة تفلت سياسي وكادت ان تكون شديدة الاذى والضرر مالياً لو لم يتم تداركها في الساعات الاخيرة. والواقع ان التفاعلات المالية السلبية التي سجلت عقب تصريح مثير للقلق أدلى به وزير المال علي حسن خليل قبل يومين عن خطة لاعادة هيكلة الدين فهم منها انها تنطوي على اتجاهات خطرة مالياً استدعت أمس ما يشبه الاستنفار لاحتواء هذا الخطأ الجسيم، الامر الذي اقتضى من وزير المال اطلاق ثلاث موجات من التصريحات والتوضيحات المطمئنة والنافية لاي اتجاه الى المس بثبات سعر صرف الليرة او جدولة الديون السيادية والمس بها. وعلى اهمية توضيحات الوزير التي اعادت تهدئة الاجواء والمناخات المالية، فان المنحى السلبي لما حصل كان برز في انخفاض السندات السيادية اللبنانية المقومة بالدولار لليوم الثاني على التوالي عقب تقرير لوكالة “بلومبرغ” نقل عن وزير المال قوله إن خطة لإصلاح مالية الدولة تتضمن إعادة جدولة للديون.

 

ونقلت “بلومبرغ” أمس عن الوزير علي حسن خليل قوله إن إعادة الجدولة ستنفذ بالتنسيق مع الدائنين والمصرف المركزي. وأضافت أن الخطة لا تتضمن أي تغيير في سعر الصرف الثابت لعملة البلاد.

 

وأفادت وكالة “رويترز” ان السندات اللبنانية الدولارية عانت انخفاضات كبيرة مع تداول الكثير من الإصدارات عند مستويات قياسية متدنية. وهبطت السندات التي يحين موعد استحقاقها في 2025 بمقدار 2.25 سنت إلى مستوى قياسي منخفض عند 73.50 سنت للدولار.

 

واستناداً الى ملخص لتعليقاته التي أدلى بها إلى “بلومبرغ” وزعته وزارة المال قال خليل إن الخطة الخاضعة للدراسة تتضمن إعادة جدولة، لكنه نفى أي نية “لإعادة الهيكلة” للدين العام اللبناني الذي يعادل نحو 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

 

وردا على سؤال لـ”رويترز” أمس عما إذا كان خفض للدين قيد الدراسة، قال: “لا نية على الإطلاق للمس بقيمة السندات اللبنانية أو اقتطاع نسبة منها أو أي عملية تخل عن التزامات لبنان”. وأضاف: “المقترحات هي عملية تنظيم وإدارة الدين والسير بالإجراءات الاصلاحية التي تخفف أعباءه”.

 

وقال تيموثي آش من “بلوباي” لإدارة الأصول إن التصريحات تسببت بحال من القلق في الأسواق. وأضاف “الضرر وقع. (هذا) يشير فقط الى حجم المصاعب التي يواجهها لبنان. ببساطة لا مجال للفشل في تبني اللهجة/ الأسلوب الصحيح في كل هذا”.

 

وأبلغ خليل “رويترز” أمس أن لبنان يدرس سبلاً لإدارة الدين العام وهيكله في إطار خطط لإصلاح المالية العامة.

 

ومع ان أوساطا وزارية معنية بمتابعة مجريات الملف المالي أكدت لـ”النهار” ان توضيحات وزير المال كانت مؤشراً كافياً لعدم وجود عوامل مثيرة للقلق والمخاوف الجدية وان ما جرى كان مجرد تفاعلات بنيت على مبالغات في التفسير، فانها لم تحجب خطورة ما بدأ يشهده الواقع الرسمي والسياسي من تفلت في ظل تمادي أزمة تأليف الحكومة بحيث تتكررظواهر هذا التفلت وتداعياته على مختلف المستويات. ولفتت الى ان ما حصل ابان العاصفة الطبيعية الاخيرة كان من مؤشرات التفلت وعدم التنسيق الاستباقي بين الوزارات والادارات فادت الى اتساع الاضرار الفادحة واقتضت اجتماعاً وزارياً استعداداً للعاصفة الجديدة لئلا يتكرر المشهد نفسه عاكساً غياب أي اهتمام حكومي ورسمي. كما ان التفرد في السياسات على أيدي الافرقاء الممثلين في حكومة تصريف الاعمال وفي ظل معاركهم حول تأليف الحكومة الجديدة كان من مؤشراته بداية انعكاسات سلبية على الواقع المالي والاقتصادي الذي يشكل الملف الاخطر الذي يجب معالجته بتنسيق دؤوب بين جميع الافرقاء المعنيين. ومع احتواء التداعيات المالية التي حصلت في الساعات الاخيرة، لا تجد الاوساط الوزارية بداً من تفعيل التنسيق ضمن حكومة تصريف الاعمال لئلا تتكرر ظواهر التفلت والفوضى والتفرد في مختلف القطاعات والمجالات الحيوية.

 

القمة في موعدها

 

في غضون، ذلك أكد الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية ورئيس مكتب الامين العام السفير حسام زكي، بعد وصوله الى بيروت من القاهرة، أن “القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية في موعدها”، مشيراً الى أن “التجاذبات سياسية داخلية ولا تخص الجامعة العربية، فالجامعة معنية بانعقاد القمة ونحن هنا لوضع الترتيبات مع السلطات اللبنانية لانعقادها، والقمة في موعدها إن شاء الله”.

 

وشكل هذا التأكيد لانعقادها في بيروت في موعدها دليلاً اضافياً حاسماً على ان تصاعد السجالات حول القمة ينطوي على خلفية سياسية داخلية أولاً وأخيراً من دون أي افق عربي آخر لها باستثناء سعي جهات حليفة للنظام السوري الى فرض دعوة النظام الى المشاركة في القمة على الجهة المنظمة للقمة. أما في موضوع مشاركة ليبيا في القمة، فشهدت الساعات الاخيرة سجالاً بين اللجنة المنظّمة للقمة والمكتب الاعلامي لرئيس مجلس النواب نبيه بري. وأوضحت اللجنة الاعلامية المنظمة للقمة “ان “التحضيرات للقمة بدأت منذ شهر آب الماضي بالتنسيق بين مختلف الادارات الرسمية و زار رئيس اللجنة العليا المنظمة للقمة انطوان شقير ورئيس اللجنة التنفيذية نبيل شديد كلاً من الرئيس بري ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري والوزراء المختصين، واطلعوهم على كل الترتيبات المتعلقة بالقمة والدول المشاركة فيها والمواضيع المقترحة لوضعها على جدول الاعمال، والموازنة التقديرية الخاصة بها وغيرها من المواضيع، ووافق الجميع على النقاط التي عرضت وصدرت في وقت لاحق المراسيم الخاصة بالقمة. وفي ما خص دعوة ليبيا الى حضور القمة، ابلغ الرئيس بري عضوي اللجنة العليا موافقته على دعوتها على ان توجه الدعوة عبر القنوات الديبلوماسية، فجرى ذلك بواسطة مندوب ليبيا لدى جامعة الدول العربية”.

 

وردّ المكتب الاعلامي للرئيس بري بالتأكيد “أن هذه المعلومات هي مختلقة وعارية من الصحة تماماً”. وابدى “استغرابه الشديد ان يصل هذا الاسلوب من الاختلاقات والتلفيقات الى هذا المستوى من القضايا والمقام، لا بل على العكس فقد زار وزير المال فخامة الرئيس بناءً على طلب الرئيس بري، محتجاً على توجيه دعوات الى الليبيين. ونكتفي بذلك”. ودعا المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بعد اجتماع طارىء برئاسة رئيسه الشيخ عبد الامير قبلان، الى “عدم دعوة الوفد الليبي الى المشاركة في هذه القمة ومنع حضوره، خصوصاً أن بعض مسؤولي هذه السلطة الذين يعتبرون من ألد أعداء القضية ويمثلون مصالح آل القذافي، يسيئون في تصريحاتهم إلى لبنان وشعبه بشكل لا يفترض أن تسمح الكرامة الوطنية بدعوتهم أصلاً”.

 

بري وباسيل

 

وقال الرئيس بري أمام زواره “ان قضية الامام الصدر ورفيقيه هي بالنسبة الينا جوهرية ووطنية وعلى رأس أولوياتنا الدائمة التي لا تموت مع الزمن. ومن هنا نقول لا أحد يمزح معنا في هذا الامر”. واذ أكد “اننا لسنا ضد الشعب الليبي”، اشار الى ان “نظام معمر القذافي اقترف هذه الجريمة والمطلوب من القيادة الحالية في ليبيا التجاوب والتعاون مع القضاء اللبناني”. واكد “ان خطابنا واضح حيال هذه القضية وانعقاد القمة العربية. ليقولوا ويحللوا كما يشاؤون. واتهموني باني اعمل على اطلاق 6 شباط جديدة. حيال قضية الامام الوطنية مستعد للقيام بـ6 شباط سياسية وغير سياسية. فلا تجربونا”.

 

في المقابل، رد رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل، على بري من غير أن يسميه، قائلاً “إن علاقتنا بسوريا تصب في مصلحة لبنان بكل مكوناته، ولا يمكن أن تكون موضع مزايدة داخلية يستخدمها طرف ما يريد أن يحسن علاقته الخاصة بها فيزايد على حساب لبنان”. وأضاف: “لن نكون مجرد تابع لغيرنا نلحق به الى سوريا عندما يقرر. انتهينا من السياسة الخارجية المستلحقة والتابعة، ونحن أصحاب سياسة مستقلة تقوم على المعاملة بالمثل لمصلحة لبنان”.