IMLebanon

النهار: ترامب صوّب على إيران… لكنه لم يضغط الزناد!

 

واشنطن – هشام ملحم

كشف الرئيس الاميركي دونالد ترامب أن القوات الاميركية كانت جاهزة لقصف ثلاثة مواقع ايرانية مساء الخميس، لكنه أوقف الهجوم قبل 10 دقائق من بدئه تفادياً لقتل 150 ايرانياً، بعدما أبلغه جنرال حجم الخسائر الايرانية المتوقعة.

 

وقال في عدد من التغريدات نشرها بعد التاسعة صباح الجمعة وتضمنت أخطاء واقعية ولغوية، إن الايرانيين اسقطوا طائرة استطلاع اميركية مسيرة كانت تحلق فوق المياه الدولية، “وكنا قد عبأنا الذخيرة ووضعنا يدنا على الزناد لضرب ثلاثة مواقع في ايران، عندما سألت عن العدد المتوقع للقتلى، وعندما جاء الجواب من جنرال : 150 شخصاً، أوقفت الهجوم قبل عشر دقائق من بدئه لأنه لا يتناسب مع اسقاط طائرة من دون طيار”. وأضاف: “أنا لست مستعجلاً… لقد أعيد بناء قواتنا، وهي جديدة ومستعدة للعمل وهي الافضل في العالم. العقوبات (على إيران) لها تأثير كبير، وأضيفت اليها عقوبات جديدة الخميس”.

 

وأكدت تغريدات ترامب تحقيقاً مطولاً نشرته صحيفة “النيويورك تايمس” في موقعها في ساعة متقدمة من ليل الخميس، وجاء فيه استناداً الى مصادر أميركية مسؤولة ان الطائرات الاميركية كانت في طريقها لقصف المواقع الايرانية، وأن السفن الحربية جاهزة لضرب ايران، حين صدرت الأوامر بوقف العملية.

 

ولاحقا أوردت وكالة “رويترز” تحقيقاً نسبت فيه الى مصادر ايرانية مسؤولة، أن ترامب اتصل بالقيادة العمانية وطلب منها نقل رسالة الى القيادة في طهران لاعلامها بان الرئيس الاميركي لا يريد دخول حرب مع ايران، لكنه سيضربها إلا اذا قبلت بالتفاوض معه.

 

وأوضحت الوكالة أن المسؤولين الايرانيين سينقلون الرسالة الى مرشد الجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي الذي يملك وحدة صلاحية اتخاذ قرار كهذا.

 

لكن الناطق باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني كيوان خسروي، صرح بأن “الولايات المتحدة لم تبعث بأي رسالة الى ايران عبر عمان… لا شيء صحيحاً في ذلك”.

 

وأثارت تغريدات ترامب الكثير من الأسئلة، من أبرزها مسألة استيضاحه الخسائر الايرانية المتوقعة بعد اصدار الأوامر بقصف المواقع الايرانية، خصوصاً ان مثل هذه المسائل تناقش في المراحل الأولية عند البحث في أي عمل عسكري في المشاورات بين المسؤولين المدنيين والعسكريين.

 

ترامب لا يريد التورط في حرب

 

وتكهن بعض المحللين بأن ترامب استخدم هذه الحجة لأنه لا يريد أصلاً التورط في حرب مع ايران، وهذا أمر ينسجم مع التقويم الايراني لموقف الرئيس الأميركي منذ بداية الازمة في ايار الماضي. كما استرعى انتباه المراقبين ان ترامب، الذي لا يعرف حفظ أسرار الدولة، كشف ان الضربة كانت ستوجه الى ثلاثة مواقع عسكرية. ولم يذكر ترامب ما هي العقوبات الجديدة التي فرضت على ايران. وتماشياً مع الفوضوية والاعتباطية التي يتعامل بهما ترامب مع مختلف القضايا والمسائل أكانت حساسة أم سطحية، قال في تغريدته ان ايران اسقطت الطائرة الاميركية الاثنين، في حين أنها أسقطت الخميس. هذا الى خطأ لغوي لا يفترض في أي متقن جدي للانكليزية أن يرتكبه، حين استخدم كلمة ” الرؤية” بدل كلمة “موقع”.

 

ويعكس قرار ترامب وقف الهجوم على ايران ميوله ومشاعره الشخصية ضد التورط في حروب جديدة في الشرق الاوسط، ورغبته التي عبر عنها خلال حملته الانتخابية وبعد انتخابه في سحب القوات الاميركية من أفغانستان وتخفيف عديدها في الشرق الاوسط، وهو ما كرره الخميس قبل ساعات من العد العكسي للهجوم المفترض. واستناداً الى تسريبات من مسؤولين في البيت الابيض، كان هناك تباين في المواقف بين القيادة العسكرية التي حذرت من ان أي هجوم أميركي للرد على اسقاط الطائرة سيؤدي الى ردود ايرانية، سوف تستدعي بدورها ردوداً اميركية مما يعني الدخول في سلسلة من الهجمات والهجمات المضادة التي ستؤدي الى زعزعة اسواق المال في العالم وارتفاع كبير لاسعار النفط، وخصوصاً اذا ضربت ايران منشآت النفط في المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة كما هدد المسؤولون الايرانيون في أكثر من مناسبة.

 

وفي المقابل، نصح مستشار الامن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو ومديرة وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إي” جينا هاسبل بضرب ايران، وان يكن بومبيو ركز ايضاً على ان العقوبات الاقتصادية قد الحقت أضراراً كبيرة بالاقتصاد الايراني. وربما ساهم هذا الموقف في دفع ترامب الى قراره وقف الهجوم قبيل بدئه.

 

وفي مقابلة مع شبكة “غن بي سي” الاميركية للتلفزيون، أبدى ترامب استعداده لإجراء محادثات مع إيران من دون شروط مسبقة، وقال إنه جاهز للقاء المرشد علي خامنئي أو الرئيس حسن روحاني.

 

ردود من الكونغرس

 

أما ردود فعل الكونغرس من الحزبين على تغيير ترامب موقفه، فكانت ايجابية، اذ حض الديموقراطيون، وفي مقدمهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، الرئيس على الابتعاد عن الخيار العسكري، بينما دعا زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ السناتور الجمهوري ميتش ماكونال الى التحلي بضبط النفس. وكان بعض حلفاء ترامب من المتشددين الجمهوريين في الكونغرس أمثال السناتور ليندسي غراهام وطوم كتون والنائبة اليزابيث تشيني (ابنة نائب الرئيس سابقاً ديك تشيني) دعوا بالطبع، قبل اسقاط الطائرة الاميركية وبعده الى استخدام الخيار العسكري “لتأديب ايران”.

وحذّر مؤيدو ترامب المتشددون من ان تردده حيال ايران ومعاقبتها عسكرياً، يجازف بتشبيه موقفه بقرار الرئيس السابق باراك أوباما وقف ضرب سوريا في اللحظة الاخيرة صيف 2013، وهو قرار أثار ولا يزال يثير الكثير من الجدل.

 

ويدرك ترامب أن الراي العام، بما في ذلك قاعدته الانتخابية، يعارض التورط في حرب جديدة في الشرق الاوسط، وخصوصاً ضد دولة قادرة على الرد العسكري التقليدي وغير التقليدي عبر وكلائها والمتعاملين معها في المنطقة، بمعنى ان قصف ايران، التي سترد عسكرياً، يختلف كثيراً عن قصف سوريا التي لن ترد عسكرياً.

 

وتطورات اليومين الاخيرين، لا تعني ان الازمة قد انحسرت لأن كل أسبابها الرئيسية لا تزال من دون حل. والسؤال المطروح الان هو : ما الذي سيفعله ترامب اذا استمرت الهجمات الايرانية على مصالح السعودية ودولة الامارات، واستمر القصف الحوثي لاهداف في العمق السعودي، واستمرت عمليات الاستطلاع والتحركات والحشود العسكرية في منطقة الخليج الصغيرة نسبياً، وهي أمور مؤكدة؟ خيارات ترامب لن تكون سهلة، والقيادة الايرانية تدرك ذلك.

 

وطلبت الولايات المتحدة عقد جلسة مغلقة لمجلس الامن الاثنين للبحث في التطورات الاخيرة المتعلقة بايران في الخليج.

 

وقال البيت الأبيض إن ترامب تحدث مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في شأن الاستقرار في الشرق الأوسط وفي سوق النفط بعدما تسبب التوتر مع إيران في زيادة أسعار الخام.

 

تغيير مسار رحلات الطيران

 

ونظراً الى التوتر المتصاعد في الخليج، قالت بعض شركات الطيران العالمية إنها تغير مسارات رحلاتها لتفادي المجال الجوي الذي تسيطر عليه إيران فوق مضيق هرمز وخليج عمان، بعدما أصدرت إدارة الطيران الاتحادية الأميركية أمرا طارئاً يحظر على شركات الطيران الأميركية التحليق فوق المنطقة حتى إشعار آخر.

 

وقبل ذلك بساعات، علقت شركة “يونايتد إيرلاينز” رحلاتها بين مطار نيوآرك في نيوجيرزي ومدينة مومباي الهندية بعد مراجعة أمنية.

 

وقالت شركات “كاثاي باسيفيك”، وهي شركة الخطوط الجوية الوطنية لهونغ كونغ، والخطوط الجوية الماليزية و”كانتاس” الأوسترالية و”سنغافورة إيرلاينز” و”لوفتهانزا” الألمانية والخطوط الجوية البريطانية و”كي إل إم” الهولندية إنها تحول مسار طائراتها لتفادي المنطقة.

 

وأورد موقع “فلايت رادار 24” الإلكتروني المعني بتتبع مسار الرحلات الجوية أن طائرات شركتي “طيران الإمارات” و”الاتحاد للطيران” كانت تحلق في المنطقة في وقت مبكر من صباح الجمعة، لكن الشركتين قالتا لاحقاً إنهما حولتا مسار رحلاتهما.

 

الموقف الايراني

 

وفي طهران، أعلن قائد القوات الجوفضائية في الحرس الثوري الإيراني الجنرال أمير علي حاجي زاده، أن إيران أطلقت تحذيرين قبل إسقاط طائرة الاستطلاع الأميركية المسيرة فوق بحر عمان، متحدثاً أمام ما أوضح أنه حطام الطائرة.

 

وقال إن القواعد الأميركية في المنطقة وحاملة الطائرات في الخليج تقع في مدى صواريخ إيرانية دقيقة التوجيه.

 

وبث التلفزيون الايراني الحكومي مقاطع فيديو لما قال إنه اعتراض صاروخ “خورداد 3” للطائرة المسيرة. وتظهر المقاطع صاروخاً يطلق من بطارية متحركة ليلاً ثم انفجاراً وكرة من اللهب تسقط بشكل عمودي من السماء.