IMLebanon

النهار: الحل السحري”: مساران سياسي ومالي للانفراج

 

على رغم الانطباعات الايجابية الواسعة التي عممها الاجتماعان المالي والسياسي اللذان عقدا بعد ظهر أمس في قصر بعبدا ايذاناً ببداية الخروج من أزمة حادث قبرشمون وتداعياته الامنية والقضائية والسياسية، فانها لم تحجب سؤالاً شغل اللبنانيين وهو: لماذا لم يكن “الحل السحري” متاحاً طوال 40 يوماً من عمر الازمة ثم صار متاحاً فجأة في أقل من 24 ساعة؟

 

الواقع ان “الحل السحري” لا تنطبق عليه هذه الصفة إلّا من خلال عامل التوقيت فقط الذي برز مع ما وصف بانه مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى ادارة محركاته التشاورية قبيل منتصف ليل الخميس عقب اصطدام الحركة التي قام بها رئيس الوزراء سعد الحريري والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم بتعقيدات تركت انطباعات قاتمة حيال أي تحرك جديد للخروج من الازمة.

 

واذا كانت “اسرار” التحرك المباغت الذي بادر اليه بري لا تبعد كثيراً عما تردد عن توافق حصل بينه وبين “حزب الله” على ضرورة القيام بامر ما عاجل يستجيب لتحرك الحريري واندفاعه نحو تأمين انعقاد مجلس الوزراء في اسرع وقت، فان المعطيات الواقعية التي تقف وراء ولادة المخرج يمكن تلخيصها بانها مزيج من معطيات ضاغطة جداً مالياً واقتصادياً كانت تتهدد الواقع اللبناني وتملي تحركاً عاجلاً استثنائياً قبل فوات الاوان، في مقابل ضغوط ديبلوماسية متعاظمة بدأت مع بيان السفارة الاميركية في بيروت وتواتر معلومات عن امكان صدور بيان جماعي للاتحاد الاوروبي في الاتجاه نفسه لحض المسؤولين الرسميين والسياسيين على تجنب تداعيات بالغة السلبية اقتصادياً وديبلوماسياً على لبنان.

 

وبذلك اقتضى الحل الاسراع الى انماط “التسويات اللبنانية” التقليدية وحتى “العشائرية” التي أصر عليها بري في اتصالاته التمهيدية مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس الحريري، بعدما انتزع من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان موافقة على مبدأ “الاسقاطات” لدعاوى الحق الشخصي في حادثي قبرشمون والشويفات وترك الحق العام يأخذ مجراه في القضاء، ولكن بعد عقد “لقاء المصارحة والمصالحة” في رعاية رئيس الجمهورية والرئيسين بري والحريري ومن ثم تكريس الحل في جلسة لمجلس الوزراء اليوم.

 

“صمود جنبلاط ”

وابلغ مصدر وزاري بارز ومعني بالاتصالات واللقاءات التي أجريت طوال فترة الازمة بلوغاً الى الحل الذي أبصر النور أمس، “النهار” ان عوامل عدة أدت الى ولادة هذا الحل الذي لعب الدور الاساسي فيه الرئيسان بري والحريري، ومن أبرز هذه العوامل “صمود ” رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ووضوح الحقائق وكشفها أمام الرأي العام بما حال دون التمادي في توظيف التداعيات سلباً، وكذلك تضامن حلفاء جنبلاط معه، ومن ثم تنامي الضغط العربي والدولي لمنع تفاقم الازمة بما فيها ضغوط غير معلنة والضغط الهائل الذي شكله الهم الاقتصادي والمالي. كما قال إن وصول المحاولات لاحالة ملف قبرشمون على المجلس العدلي الى طريق مسدود كان له دور مؤثر في التعجيل في الحل وان “حزب الله” كان المؤثر الاساسي على ارسلان لحمله على قبول هذا الحل.

 

وأوضح ان الرئيس عون سيقدم في جلسة مجلس الوزراء اليوم مداخلة سياسية لن تثير نقاشاً وسينصرف بعدها المجلس الى اقرار جدول أعماله المرجأ من 2 تموز. وأبرز المصدر أهمية الاجتماع المالي الذي سبق اللقاء السياسي وتوقع ان تبرز انعكاسات ايجابية تباعا للقرارات التي اتخذت خلاله، علما ان مجرد الاعلان عن التوصل الى حل للازمة ترك انعكاسات ايجابية فورية على السندات اللبنانية السيادية في الخارج.

 

وأفادت مصادر مطلعة على اللقاء الذي استمر ساعتين ” إنها كانت جلسة مصارحة ومصالحة والكل تكلم بمسؤولية وحرية عن كل المعطيات المرتبطة بحادث قبرشمون”.

 

واكتفى جنبلاط الذي كان أول المنصرفين بالقول للصحافيين: “نعم مرتاح للمصالحة”.

 

ثم خرج الرئيس الحريري الذي وقف في مدخل القصر الجمهوري في محادثة جانبية مع جنبلاط قبل ان يستقل كل منهما سيارته.

 

اما الرئيس بري، فاكتفى بالقول باسماً ومرتاحاً: “انه انجاز”.

 

ولم يشأ ارسلان التعليق وابتسم مخبئاً وجهه في الملف الأصفر الذي حمله الى بعبدا. وأكثر من بدا عليه الارتياح هو رئيس الوزراء الذي تلا بيانين أولهما عن الاجتماع المالي الذي شارك فيه للمرة الاولى الرئيس بري، وثانيهما عن لقاء المصارحة والمصالحة والذي توجّه بدعوة مجلس الوزراء الى عقد جلسة في الحادية عشرة قبل ظهر اليوم السبت في قصر بعبدا.

 

المساران المالي والسياسي

 

وبدا واضحاً الترابط الفعلي بين الاجتماعين المالي والسياسي انطلاقاً من تدارك الجميع المخاطر الاقتصادية والمالية ولا سيما مع اقتراب الموعد المرتقب لتصنيف لبنان.

 

وهذا الترابط عكسه وزير المال علي حسن خليل بقوله للصحافيين:” لا استقرار اقتصادياً من دون استقرار سياسي. ولاحظنا كيف ارتفعت اسعار السندات قبل الاجتماع وصدور البيان وقد يتأثر بذلك ايضاً الائتمان”.

 

هكذا كانت المعايدة بالاضحى من الرؤساء الثلاثة وهي ستتوج قبل الذهاب في عطلة العيد، بجلسة لمجلس الوزراء خالية من تداعيات حادث قبرشمون التي فصلت عن المسار الحكومي، ووضعت في عهدة القضاء العسكري الذي يتابع تحقيقاته في شأنها، على ان يتخذ مجلس الوزراء القرار المناسب في ضوء نتائج هذه التحقيقات.

 

وعلم من مصادر بعبدا أن الرئيس عون أبدى ارتياحه الى نتائج الاجتماع المالي والاقتصادي الذي انعقد في قصر بعبدا، مشددا على ضرورة التعاون لتحقيق ما تم الاتفاق عليه خلال الاجتماع.

 

وبالنسبة الى لقاء المصارحة والمصالحة، أكد الرئيس عون انه بعد انجاز المسار الامني لمعالجة حادث قبرشمون من خلال اعادة الامن والامان الى المنطقة، وتولي القضاء العسكري التحقيق في الجريمة وفق المسار القضائي، تمت أمس مقاربة المسار السياسي من خلال اللقاء الذي عقد في القصر والمصارحة التي تلتها مصالحة.

 

وقالت المصادر إن الملف اصبح برمته قيد المعالجة في ايدي مؤسسات السلطة سياسياً وأمنياً وقضائياً.

 

وأوردت وكالة “رويترز” من لندن ان السندات الحكومية اللبنانية المقومة بالدولار ارتفعت امس الجمعة بعد تقارير عن اجتماع لزعماء البلاد من أجل تحقيق إنفراج في الأزمة السياسية التي أصابت الحكومة بالشلل. وارتفع إصدار 2030 بما يزيد عن 1 سنت في الدولار ليصل إلى أعلى سعر في أسبوع، فيما صعد أيضاً إصدار 2032 أكثر من سنت، وفقا لبيانات تريدويب.