IMLebanon

عون لا «يشيطن» السياسة في «جنّة الملائكة»

ربما لم يفاجِئ «حزب الله» الجالسين قبالته على طاولة مجلس الوزراء، بتضامنه في الانسحاب مع وزراء «تكتل التغيير والاصلاح» من الجلسة بعدما كان الأمين العام السيد حسن نصر الله مهّد لهذا التصعيد في خطابه الأخير.. وهم يمنّنون أنفسهم برفض الضاحية الجنوبية، حتى اللحظة، كتابة ورقة نعي الحكومة.

فالانسحاب عن المقاعد الوزارية، وحتى الاعتكاف، لا يغيّر من الستاتيكو الهش القائم، ما دام صمام أمان الحكومة لم يسحب بعد، والتفجير مستبعد.

لكنهم سيتفاجأون حكماً حين يتبيّن لهم أنّ حليفي السراء والضراء رسما سوية خريطة طريق لكيفية معالجة الأزمة القائمة، قد لا تظهر معالمها في الوقت القريب، لكن المواكبين للعلاقة يجزمون أنّ زمن المعالجات الموضعية ولّى، وسيحين قريباً زمن الكيّ.

هكذا، يتصرف بعض أركان الطبقة السياسية على أساس أنّ أزمة ميشال عون تختصر برئاسة الجمهورية، ومتى جرت معالجة الشغور في القصر الجمهوري، سيرفع الرجل يديّ الاستسلام لمشيئة الواقع وفارضيه عبر الصياغات التسووية.

يعتقدون أنّ سيناريو 2009 قادر على سحب فتيل الشغب العوني، فيعيد عجلة المؤسسات الى دورتها الطبيعية بعد انضمام الجنرال الى طبخة التسوية حين يأتي زمانها، ويهبط وحيها على القوى اللبنانية، ويتيقّن أنّ ما قد كتب للرئاسة اللبنانية بحبر التسويات الاقليمية، سيصعب تغييره بالممحاة اللبنانية.

هكذا ينظر هؤلاء بين الفينة والأخرى، الى الساعة، أي الزمن. بنظرهم هو وحده الكفيل بإنقاذهم من قدرة ميشال عون على التعطيل. سيظل الرجل متمسكاً بكل الأوراق المتاحة بين يديه كي يعرقل ما يقومون به، الى أن تأتي كلمة السر من الخارج، فينحني الجميع أمام عاصفتها، بمن فيهم «جنرال التعطيل» ليركب قطار الاتفاق الشامل. وتقفل الصفحة.

ولكن ما لا يريدون الاعتراف به أنّ هذه المرة مختلفة عن كل المرات. هذه الجولة لا تشبه أبداً تلك التي سبقتها، سواء في ما يتصل بالظروف الاقليمية التي تشهد متغيرات دراماتيكية لن تعفي لبنان من ترتيباتها، أو في ما يتعلق بالظروف الداخلية، وتحديداً بالاهتراء الذي أصاب النظام اللبناني وبالأزمات المختلفة التي تعيشها الطوائف، وبظروف ميشال عون نفسه.

يمكن اتهام الجنرال بأنّه تصادمي منذ نشأته السياسية، وبأنه ارتكب كمّاً كبيرأً من الخطايا بحق علاقته مع الحلفاء أو في التكتيك الداخلي، أو حتى بحق تنظيمه البرتقالي حين قرر اغلاق صناديق الاقتراع… ولكن هذا لا يعني أبداً أنه «يشيطن» السياسة في «جنّة الملائكة».

بنظر هؤلاء، إنّ العلة الأساس هي في النظام الذي بلغ أفقاً مسدوداً يشي بعقمه وعجزه عن معالجة الأزمات الدستورية المتعاقبة والمتسللة من مؤسسة الى أخرى، فيما يرفض الآخرون الاعتراف بهذا الواقع السوداوي، لا بل تجاوزوا كل خلافاتهم وتآمروا سوياً للقبض على روح الخطاب الاصلاحي ومنع تطبيقه لأنهم سيكونون أول وأسمن ضحاياه.

يقولون إنّ المسألة ليست في وصول ميشال عون الى القصر الجمهوري او عدم وصوله، وانما في كيفية تعامل بقية القوى مع زعيم قال أكثر من 70% من المسيحيين في يوم من الأيام انهم معه ويؤيدون أفكاره، ما يعني أنه شريك أساسي يمثل أكبر كتلة نيابية مسيحية.

بالنسبة لهؤلاء ثمة تمادٍ فاقع من جانب منظومة المصالح الممسكة بالسلطة، على حجز مكتسبات الشراكة عن رئيس «تكتل التغيير والاصلاح»، فيتكتل الكل ضده ليسلبوه ما يمنحونه لأنفسهم. فيمنع عليه أن يقول كلمة فصل في مصير قيادة الجيش، ويحرم عليه أن يسمي مديراً عاماً…

وكأن هناك من يقول للأحزاب المسيحية: اكتفي بما لديك لأنه لا يحق لك طلب الندّية مع غيرك. اقنعي بموقع المستشار أو بوزير التكنوقراط أو بنائب بلاط السلطان… أما الرئاسة فهي لمن هم من خارج هذا النادي.

هنا، ثمة كلام يُنسب الى نائب مستقبلي يتردد أنه أبلغه الى أحد حلفائه المسيحيين خلال النقاشات حول قانون الانتخابات، ودعاه فيه الى أن لا «ينغش» بالمناصفة التي ينصّ عليها اتفاق الطائف لأنّها شكلية، ولا يمكن المطالبة بتطبيقها، أو السؤال عن النواب الودائع في «الكتلة الزرقاء»، فما لها.. لها!

إذاً، يقول عارفو الجنرال إنّ الأزمة ليست في شخصنتها وتصوير ميشال عون على أنه المعرقل، حتى لو وقع الرجل في فخ تجيير كل تاريخه لمصلحة العائلة، فهذا لا ينهي الأزمة ولا يعالجها.

ولهذا عاد الرجل الى الأساس، أي الى الانتخابات النيابية، ليرتب من جديد الأولويات فتكون المرتبة الأولى للنيابة قبل الرئاسة، لأنّه متأكد من أنّ صناديق الاقتراع هي مدخل جنّة الدولة، والا فإنّ الجحيم بانتظارها. وهو لذلك لن يقترف مجدداً خطأ العام 2009 بقبول تسوية العجلة.

هذا لا يعني بنظر عارفيه أنه يهرب الى الأمام أو أنه يضع العصي في دواليب الرئاسة، لكنه صار مقتنعاً أنّ الأزمة القائمة لا تحل بوصوله الى رئاسة الجمهورية أو بتزكيته مارونيا آخر، وانما لا بدّ من استئصال ورم الخلل في التمثيل.

بكلام آخر، يدعوهم الرجل الى عقد اتفاق شامل، يشمل قانون الانتخابات وموعد استحقاقه ورئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، أي سلّة متكاملة. ولهذا قال في مقابلته الأخيرة إنّه لا يمانع من انتخاب رئيس وسطي شرط تعميم المبدأ على رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة.

عملياً، لا يتصرف الجنرال على أنّ الأزمة تنتهي عند أعتاب قصر بعبدا، وانما تحت قبة البرلمان، وليس من باب التحايل على الأكثرية النيابية القائمة التي تحول دون انتخابه الماروني الأول، ولكن لإدراكه أنّها آخر معارك المسيحيين، فإما يخوضونها حتى تحقيق النصر، ولا نصر الا بقانون انتخاب يعيد لهم مكانتهم التمثيلية، واما استمرار الدوران في الحلقة المفرغة.

وما دام ميشال عون ممرا إلزاميا للرئاسة، فلن يجلس أي ماروني على الكرسي الأولى، ما لم تنفّذ خريطة الطريق التي وضعها الجنرال، كما يقول عارفوه.