IMLebanon

عون تحسس الخطر… فتدخل لوقف التحريض

طبيعيّ جدًّا ان ترتفع أصوات اللبنانيين على مختلف طوائفهم ونحلهم ومللهم وأطيافهم، متضامنين مع جيش بذل الشهداء وسفك الدماء في مواجهة القوى التكفيريّة وسواها محافظًا على أمن لبنان واللبنانيين، ومانعًا من استجلاب الحروب إلى الداخل اللبنانيّ حتى لا يتمزّق من جديد كما تمزّق منذ سنة 1969 وسنة 1973 وكانت الأحداث خلال هاتين السنتين المقدّمة الفعليّة لاشتعال حرب 1975 ووصول لبنان إلى قاع الهاوية، ولم تنته الحرب إلاّ بطائف مترجّح بين حالتين، بين نصّ غير مطبّق ولا متجسّد، وحالة لم تنتم يومًا إلى النص بل التوازنات والتسويات التي أملت اتفاقًا لا يعدو كونه نصًّا على ورق.

أوساط عديدة ومتابعة بعمق لفتت النظر إلى أن التهجّم على الجيش وإن كان في الوجدان اللبنانيّ ممجوجًا ومرفوضًا، وهو تعدّ حقيقيّ وجديّ ووجوديّ، بدا منطلقًا من خطّة خطيرة شاء أربابها استهلاك ورقة النزوح السوريّ إلى لبنان لتفجير لبنان. لقد تأتى هذا الاستهلاك من عدم المتابعة الجديّة للقوى السياسيّة اللبنانيّة التي ظنّت وتظنّ بان التواصل مع الحكومة السوريّة ينمّ عن قلّة أخلاق، ويعتبر تسليمًا بقيادة الرئيس بشار الأسد. فالمتابعة الجديّة تتكوّن من توصيف حراك هؤلاء واحتضانهم للقوى التكفيريّة أي تحوّلهم إلى بيئة حاضنة ومؤهَّلة للإرهاب، فيتماشى التأهيل مع إرادة تستفيد من الواقع الهشّ والمرير لخرق الاستقرار وتحويل لبنان ساحة حروب متنقّلة.

أمر واحد يكفي للتمعن بهذا التهديد الذي انهمرت مفرداته كالمطر الأسود على لبنان وهو صوت فهد المصري مهدّدًا، وقد تم لفت النظر إلى موقع الرجل ومعنى صدور التهديد عنه، وقد قال بأنّ الحرب القادمة على لبنان ستكون نزهة أمام ما حصل في تموز 2006. وهدّد اللبنانيين بوجود مليون ونصف نازح سوريّ. لم يكن التهديد مجرّدًا أو عابرًا بل فعل فعله بمن جند نفسه تحت مسمّى اتحاد الشعب السوري في لبنان وخرج واحد من هؤلاء محرّضًا بصورة سافرة على مهاجمة الجيش اللبنانيّ ليتبيّن فيما بعد أنّه من بيئة التكفيريين. هاني الحسين حرّض وسيتبيّن بنتيجة التحقيق معه أن ثمّة من دفعه إلى التحريض بهدف أخذ لبنان إلى جحيم الموت من جديد.

لا يمكن التطلّع إلى هذه العمليّة على أنّها لا شيء، خلال عطلة الأسبوع المنصرم دخل لبنان جوًّا تراكمت فيه الخطابات الدافعة إلى الحقد والضغينة بين اللبنانيين والسوريين. وتقود الخطوط كلّها إلى أن ثمّة من يشاء إدخال لبنان وسوريا في جوّ خطير بدأت دائرته تتسّع منذ حقبة وتتسلّل إلى الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكية في محاولة التفريق بين مطارنة لبنانيين وآخرين سوريين، لتبدو أرض الكنيسة بدورها مسرحًا لصراع يستجلب الهويّة عنوانًا خطيرًا ينذر بانقسام عموديّ خطير ووشيك. مراقبون أشاروا بأنّ ثمّة من يقود نحو هذه الرؤية في لحظة مشدودة نحو حسم المعركة في سوريا كما حسمت في الموصل. فتحوي تلك اللحظة المزيد من التشويش على النتائج، والتشتيت للعقول والأذهان، وتدخل الأرض اللبنانيّة في احتراب مقيت يكون اللبنانيون فيه والنازحون السوريون وقودًا لاشتعالها، ففهد المصريّ أو هاني حسين أو سواهما أسماء لمخطّط إسرائيليّ يحاول إضعاف الجيش والمقاومة في لبنان، والجيش السوريّ في سوريا، وأخذ البلاد إلى صدام دموي بين اللبنانيين والسوريين، كما ويحاول التعمية عما يحصل للمسجد الأقصى في القدس، فيما المسلمون مشتتون محجوبون عن الحدث الخطير.

وفي هذا السياق أضاء المراقبون على كلام رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون القائل بأن حلّ مسألة النازحين السوريين لا يكون من خلال نشر الكراهية وتعميمها بين الشعبين الشقيقين والجارين. فالنتيجة لن تكون إيجابية لا على لبنان ولا على السوريين، ودعا اللبنانيين إلى إيقاف حملات التحريض بوجه هؤلاء، فليس كل النازحين سيئين ولا يجوز التعامل معهم على هذه الصفة. ليدعو في نهاية مقاربته إلى حل سياسيّ ليتمّ إعادة هؤلاء إلى بلادهم. تشير معلومات عدد من المطلعين بأنّ لعبة التحريض الممارَسة من الجهتين أكدت بأن الفتنة غير بعيدة. من هنا تنظر أوساط مراقبة إلى عدم انتظار الحل السياسيّ في لبنان، بل إلى التفاعل مع منطق الواقعيّة السياسيّة المهيمن على الواقع، وتشير بأن عددًا كبيرًا من الدول بمن فيهم الولايات الأميركية المتحدة اعترفت برئاسة بشار الأسد وبأن الحلّ لا يتمّ إلاّ به ومعه، فمن الطبيعيّ حينئذ أن يحذو لبنان حذو ماكرون رئيس جمهورية فرنسا على سبيل المثال لا الحصر.

وتلفت تلك الأوساط نظر من ينظّر إلى التنسيق مع الأمم المتحدة، ومع المنظمات الدوليّة إلى أن التجربة مع هؤلاء لم تكن على الإطلاق مشجعة، وفي الوقت عينه لقد بات معيبًا استهلاك هؤلاء من أجل قبض المال عليهم، كما أشار أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله. فقضيّة النازحين لن تحلّ من هذه الزاوية، وفي الوقت عينه لن يرضى السوريون بحل مع الأمم المتحدة بلا تنسيق كامل معهم، فهم المعنيون الأول وليست الأمم المتحدة أو المنظمات الدوليّة. ففي الوثائق المتبادلة بين وزارة الخارجية اللبنانية والأمم المتحدة والمنظمات المعنية بقضية النازحين ثمّة إصرار بحسب ما اشار وزير الخارجية جبران باسيل على ترسيخ اندماج النازحين في البيئة اللبنانية، وقد ميز باسيل بين الاندماج والعودة. على هذا تستند أوساط سياسيّة وتسأل من يعارض تواصل الحكومة اللبنانيّة مع الحكومة السورية، لماذا لم تظهروا معارضتكم بوجه من دعا ويدعو لاندماج النازحين، ذلك أن هذه المفردة أخطر بكثير من مفردة الاحتلال، الاندماج يعني الانصهار، يعني أن لبنان مسؤول عن تأمين حقوقهم في كلّ شيء فيما أعدادهم تتكاثر بصورة خطيرة.

الجدير ذكره في هذا الإطار بأنّ الدولة السورية متعاطفة مع المطالبين في لبنان برفض الاندماج. فالسوريون معترضون ومعارضون بشدّة لتعاطي المجتمع الدوليّ مع النازحين السوريين في لبنان من هذه الزاوية وهذا المفهوم فكأنهم لا يريدون دخول سوريا في حلّ سياسيّ يجذب هؤلاء نحو العودة إلى وطنهم، أو كأنهم يشاؤون الوطن السوريّ مفقودًا. الخطاب السوريّ متماه بالضرورة مع موقف رئيس الجمهورية اللبنانية.

وتؤكّد المصادر بأنّ الحلّ واضح، فقطع الطريق على دابر الفتنة بحوار البلدين، العلامات كلّها من شأنها أن تقود إلى نوعية عالية من هذا الحوار، فالجيش السوريّ منتصر، والحلول لا تنطلق إلا من الميدان.

كما أن كلّ هذا التحريض ترافق مع فتح المعارك في جرود عرسال والقلمون فلننتظر ونرَ كما تقول هذه المصادر فالنتيجة وحدها من الحدود إلى الداخل السوريّ ستقود إلى هذا الهدف، ولا حلّ للأزمة إلاّ به وبالتعاون والتنسيق بين الدولتين خلوًّا من أحقاد وضغائن تستعيد الجراح فيما النصر المنتظر تضميد لها وفتح لتاريخ وعهد جديدين مبنين على أخوة فيها احترام وسلام وتعاون وثيق من أجل البلدين والشعبين فيهما.