IMLebanon

13 نيسان .. ذكرى برسم النسيان

الدخان الأبيض 

يوم انبعث الدخان الابيض من وسط بيروت معلناً بدايات نهاية الحرب في العام 1992، كانت المدينة تغفو على معالم مهشمة وأرواح منهكة وعائلات مشغولة بإحصاء خسائرها ومفقوديها، ثم حدث أن تعالت جلبة على الطريق البحرية للمدينة:جرافات وقافلات وهمّة شباب ومكبرات صوت تنادي:الحرب انتهت..الورشة بدأت.وفي حينه، أيقن كل من عاين حجم الدمار، بأن البلد بحاجة الى معجزة لانتشاله من رماده، فإذا بالمعجزة تنتفض واقعاً على أرض آمن بها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فكانت حكاية إعمار وترميم وهندسة لبلد ذاع صيته في الخمسينيات والستينيات على أنه ولّاد حياة وحريات وازدهار وتعايش، ثم أنه ذاع صيته في السبعينيات والثمانينيات على أنه ولّاد حروب، ليحرز مطلع التسعينيات نقلة نوعية بميدالية حياة وإعمار وصيغة عيش وتوافق وترميم نفوس وحجر.

وكان على الورشة التي بدأت أن تستمر بعقارب ساعة تركض الى الامام، ذلك أن البلد الذي كاد يتوه عن خارطة العالم، وبيروت التي انشطرت على طول طريق الشام، والأحياء والجرحى والناجين بأطراف مفقودة..جميعهم رنموا لحياة ليس فيها خطف على الهوية، ولأجيال صاعدة لا تقضي على المعابر، ولأحلام ومشاريع يليق بها الازدهار والارتقاء والاستثمار في البلد، ولسنوات تمحو من ذاكرتها «البوسطة» وال«شرقية» و«غربية» و«خطوط التماس» و«المعابر المقفلة» والمجازر الجماعية و«سالكة وآمنة»، ولأبيض الجبال وللمروج والغابات والبحر المفتوح على أغنيات النوارس.

وفي ترنيمة السلم كثير من الزهر الأبيض، ومعه تضمحل ذاكرة دموية بامتياز، بأزيز رصاصها وهدير المدافع وصرخات الأمهات وبكاء الأطفال، لترتقي معها معالم الربيع الذي يزهر في شوارع المدينة بنفسجاً وصيحات أطفال يلهون في الساحات وعلى الأرصفة في جوار سياح مشدوهين بعظمة الابنية القديمة المرممة، والى كل الصخب والازدحام والحركة التي لا تستكين تحضر المدينة في حسابات العالم بحلّة «الاجمل» بين المدن، منتفضة على قتامة 13 نيسان 1975، وعلى ذاكرة تنفض الاسود عنها بمؤشرات دخان أبيض ووشاح وردي.