IMLebanon

الغائب الحاضر

 

 

عُقدت القمة العربية في القاهرة وسط مرحلة دقيقة تعيشها المنطقة، حيث أصبحت المواجهة عنواناً رئيسياً يتجاوز بيانات التضامن التقليدية والشعارات الأخوية إلى صياغة موقف عربي موحد في وجه تحديات مصيرية، أبرزها الخطة الإسرائيلية الهادفة إلى الترانسفير نحو الأردن وسيناء.

 

لم تكن هذه القمة عادية، بل كانت مواجهة حقيقية بين مشروع عربي يسعى للحفاظ على القضية الفلسطينية ضمن إطارها الوطني، وبين مخططات إسرائيلية تهدف إلى تصفية هذه القضية عبر تهجير الفلسطينيين وتمزيق وحدتهم الجغرافية والسياسية. وبين هذين المشروعين، تقف قوتان إقليميتان، إيران وتركيا، حيث يسعى كل منهما إلى توظيف القضية الفلسطينية لخدمة أجندته الخاصة، سواء عبر استزلام الإسلام السياسي لمصلحة طهران، أو عبر محاولات أنقرة لاستغلال الأوضاع بما يخدم نفوذها الإقليمي.

 

في ظل هذه الاصطفافات، برز محور عربي قوي يضم السعودية ومصر والأردن والإمارات، وهو المحور الذي يتحمل مسؤولية كبرى في إفشال المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى طمس القضية الفلسطينية. إلا أن ما لفت الأنظار في هذه القمة، كان غياب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي رغم عدم حضوره، بقي “الغائب الحاضر”.

 

 

هذا الغياب لم يكن عرضياً، بل حمل دلالات سياسية واضحة. فالسعودية، التي تقود المواجهة الإقليمية، أرادت التأكيد أن المرحلة الحالية لا تحتمل أنصاف الحلول، بل تتطلب موقفاً عربياً موحداً يرتكز على حل جذري لغزة، يشمل إعادة إعمارها لكن ضمن شروط واضحة: تجريد “حماس” من السلاح، وتمكين سلطة وطنية فلسطينية مستقلة وقادرة على إدارة القطاع والضفة. وبغير ذلك، لا إعمار ولا حلول ترقيعية.

 

غياب الأمير محمد بن سلمان عن القمة، في هذا السياق، لم يكن انعزالاً عن المشهد، بل رسالة سياسية مفادها أن السعودية لن تنخرط في أي حلول سطحية أو مساومات لا تضمن استقرار المنطقة وأمنها. فالقضية الفلسطينية لم تعد ورقة للمساومات، بل مسألة أمن قومي عربي تتطلب قرارات حاسمة، بعيداً من المناورات السياسية التي اعتادت عليها المنطقة لعقود.

 

من هنا، يمكن قراءة هذه المرحلة باعتبارها لحظة مفصلية في تاريخ العلاقات العربية، حيث لم يعد هناك مجال للمجاملات الدبلوماسية أو الحلول الموقتة. إما قرار عربي موحد، أو لا قرارات على الإطلاق.