IMLebanon

اغتيال الانتفاضات العربية بوصفة النظام اللبناني!

يمصمص أهل النظام السياسي في لبنان شفاههم بكثير من الغبطة، حين يستذكر البعض الانتفاضات التي ملأت الميادين والشوارع في العديد من العواصم العربية، أولاها تونس، وبعدها مباشرة القاهرة، فأسقطت أنظمة عاتية وراسخة كان قادتها يفترضون أنهم مخلّدون، ولكنها عجزت عن الانتصار ومهدت لتجديد النظام القديم.. أقله حتى إشعار آخر، وعادت «الثورة» إلى مخزن الأحلام.

يقول كبيرهم الذي علمهم السحر: لقد أثبت النظام في لبنان أنه الأقوى والأبقى، وحده ثبت في وجه العاصفة، بينما سقطت أنظمة العسكر في تونس بداية، ثم في مصر… كذلك سقط نظام الرجل الواحد في ليبيا الذي حاول اختصار الشعب (والجيش ضمناً) في شخصه. وها هي سوريا تعيش حرباً مفتوحة تكاد تذهب بدولتها، في حين تشردت ملايين شعبها في الداخل والخارج وفرض عليها أن تعيش مهانة اللجوء إلى ثلوج المهانة في الغربة وجليد الإفقار وافتقاد الغذاء والدواء في الداخل. أما العراق فغارق في مآسيه التي يزيدها الجيران تعقيداً وإيلاماً، وها هي السعودية تدخل مع سفيرها الأول في بغداد حومة الصراع الطوائفي فتؤجج نيرانها.

يضيف آخر يعرف عرب النفط من الداخل: واضح أن حكام الخليج، بقيادة السعودية، يعيشون زمنهم الصعب. لقد انتهى زمن تدفق الذهب بغير مجهود، واندفع هؤلاء إلى مغامرات عسكرية تتجاوز قدراتهم لا يمكن تحقيق الانتصار فيها وأكلافها باهظة والانتصار فيها مستحيل.. ومردودها يخدم «القاعدة» و «داعش» والأجنبي فقط.

عاد كبيرهم إلى شرح أسباب تباهيه بالنظام غير القابل للخلع في لبنان فقال: حتى جمال عبد الناصر اضطر إلى التسليم بنظامنا الفريد وتعامل معه فأفاد منه كثيراً، وعزز ثباته.

خارج دائرة أهل النظام كانت مجموعة من دعاة الانتفاضة الشعبية ضده يناقشون أسباب قوة هذا النظام وثباته في وجه محاولات الخلع أو حتى التطوير.

قال أحدهم: لنسأل أنفسنا.. كم رجلاً يحكمون لبنان ويتحكمون بنا… ديموقراطياً؟!

أجاب آخر: ـ إنهم خمسة، ربما ستة أو سبعة، وفي كل الحالات فهم أقل من «دزينة».. هذا إذا ما شئنا إكمال النصاب واعتبرنا أن لكل طائفة زعيمين أو زعيماً ونصف زعيم. أي أن ما مجموعه دزينة من الرجال، موارنة وسنّة وشيعة ودروزاً وكاثوليكَ وأرثوذكسَ يتزاحمون ويتناوبون على المواقع العليا في السلطة ويتحكمون بالتعيينات في الإدارة العامة كما في المؤسسات الخاصة.

قال ثالث: ـ هناك أيضاً رجال احتياط للمراحل الانتقالية، يأتي بهم «الأقطاب» الأقوياء والثابتون لفترة، ريثما يعيدون صياغة التفاهم في ما بينهم.

نبر رابع بلهجة غاضبة: إن هذه الدزينة من «الأقطاب» يمنعون على الشعب تطوّره الطبيعي. يدخلونه في معارك ضد مطالب حياته.. ضد طموحاته المشروعة. يشكّلون سداً على طريق تقدمه. يسجنونه في أقفاصهم باحتياجه إليهم.. فالوظيفة عندهم، يعطونها لمن شاؤوا. والرزق عندهم، الترقية في جيوبهم والمنح للمبعوثين على الطاولة.

… وبالعودة إلى دائرة أهل النظام والمروّجين لدوامه، كان ثمة حوار آخر يدور حول مزايا هذا النظام الفريد عبر مقارنته بالأنظمة العربية الأخرى.

قال كبيرهم: المقارنة مع مختلف الأنظمة الحاكمة من حول لبنان تنتهي بتزكية نظامنا الاستثنائي في بابه. إن بعضها يقاتل بعضها الآخر، محرّضاً ومتسبباً في تفجير حروب أهلية ستذهب بحاضر هذه المنطقة ومستقبلها… أما نحن فقد عبرنا حربنا الأهلية التي انتصر فيها النظام فبقي، بغض النظر عن كلفتها. لقد نزع «أبطالها» ثيابهم العسكرية وتقاسموا الغنائم، وباتوا يتنافسون بالديموقراطية الطوائفية على سدة الرئاسات، الثابتة منها والمتحركة.

وقال «مرجعهم الفكري»: إن لبنان يعيش تحت خيمة الأوكسجين.. مما يقيه تداعيات الحروب والفتن التي تجتاح منطقتنا. و «الدول» جميعاً بحاجة إلى «محطة تنصت» وإلى «مرصد» لقياس التوترات ودراسة الأوضاع وسبل التأثير فيها، ومنطلق للحركة. لقد كبرت اللعبة.. فكل العالم هنا، من حولنا، ومن فوقنا، وفي بحرنا، ومخابراته تعيش معنا حتى في غرف النوم. المنطقة مستباحة، وبالسلاح، لكل دول العالم، شرقه وغربه.. بالطيران أو بسلاح البحرية، بالمدفعية بعيدة المدى والخبراء والنسابة.

عاد كبيرهم ليختم النقاش بحكمة بليغة: النظام الشرس يقتل الثورة بالحرب الأهلية… أما عندنا فالنظام يقتل «الدولة» و «المواطن» بالطائفية الناعمة ومولودتها الشرعية «المذهبية»، ويقتل الحرب الأهلية بيأس الأطراف جميعاً من إمكان الربح فيها، فيتم إيقافها وإعادة توزيع الحصص وفق القاعدة الطائفية التي لا تحول ولا تزول..

عشتم وعاش لبنان بنظامه الفريد، قاتل «المواطن» و «الدولة».