IMLebanon

ملف المطرانين يُساوي اكتشاف مصير العسكريين…

ثمة رؤية مغلوطة تغزو عدداً كبيراً من الناس تتناول مضمون المقايضة التي حصلت في وادي مرطبيا، مستهجنة لنوعيتها. والرؤية بحجمها غير محصورة في فريق واحد علمًا انها وبحسب ما تبين وفقًا لمراقبين متابعين تنتمي بروحيتها إلى المناوئين لحزب الله. بل هي رسخت عند مناصري حزب الله والتيار الوطنيّ الحرّ، وقد علت اصوات كثيرة ساخطة وشاجبة تقول ان العسكريين عادوا بالتابوت إلى ذويهم والدواعش رحلوا إلى سوريا بحافلات مكيفة مرفهين ومترفين.

قد تبدو المقارنة للوهلة الأولى صحيحة عند من ليس موجوداً في قلب اللحظة والحدث. ولكن عند من عاش الحدث بتفاصيله الدقيقة للغاية كأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وقائد الجيش العماد جوزيف عون ومدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم فالمقارنة مختلفة. فالسيد نصرالله أوضح تفاصيلها بشفافية وأظهر معانيها صادقًا وكشف بانّ الأخلاق تفترض استكمال بنود التفاوض فالإسلام يأمر بإكمال التعهدات. وقد أبان السيد نصرالله بأنه لم يكن متحمساً ولا «مشردق»، بداعش، لكن الهدف كان عنده معرفة مصير المخطوفين وأيضاً معرفة مصير المطرانين بولس يازجي ويوحنّا إبراهيم والصحافي سمير كسّاب واستلام جثامين شهداء الحزب، فتتحرّر الأراضي اللبنانيّة والسوريّة من هذا التنظيم المتوحّش، عند الحزب والجيش أيضاً الهدف الجوهريّ تحرير الأرض من الوحوش ورفع راية النصر، لأنّ هؤلاء خرجوا بشروط الجيش والحزب والأمن العام، أي اذعنوا، ومن ثمّ خرجوا.

عدد من المراقبين من فحوى الحديث شرّعوا بتفسيره فوجدوا بأنّ ثمة حملة تحاول إرباك الأرض اللبنانيّة وإشغالها وإشعالها بلحظة مغايرة بالكليّة للحظة التي عاشها لبنان مع تحرير الأرض المشوب بصدمة هائلة نتيجة اكتشاف جثامين شهداء قضوا غدراً ولم يقضوا على الجبهات. فقد شهد المراقبون أمس على محاولة إرباك كادت ان تتوسّع وتحدث انفجاراً في وسط العاصمة، حينما زار نائب تيار المستقبل الدكتور خالد زهرمان أهالي الشهداء لمؤاساتهم والوقوف إلى جانبهم، فما إن دخل الخيمة التي يقيم فيها حسين يوسف والد الشهيد محمد يوسف وباقي عوائل الشهداء حتى استغلّ وجوده عدد من شباب الحراك المدنيّ، وراحوا يمطرونه بأسئلة لا تنتمي إلى الحدث ويتهمونه بسرقة أموال الشعب من دون ان يتطرقوا إلى موضوع الاستشهاد، تدخل أحد الإعلاميين للمرة الأولى وحاول تهدئة الوضع وطلب منهم عدم تحريف مناسبة التضامن مع عوائل الشهداء للقيام بهذا النوع من المساءلات. هدأ الوضع لملرة الأولى وكانت كلمات في المناسبة طالبت بلجنة تحقيق شفافة تدقّق في الأسباب التي أدت إلى الخطف ومن كان السبب في انسحاب الجيش من عرسال. انتهت الكلمات وأضيئت الشموع وصلّى الجميع  صلاة مشتركة جامعة بين المسيحية والإسلام لراحة أنفس الشهداء بنفس واحد وقلب واحد. فما أن انتهت تلك اللحظة حتى عاد الشغب من جديد يعصف في الساحة عينها، مستغلاًّ بقاء النائب زهرمان وحواره مع أحد الكتاب السياسيين، ليفتح سجالاً معه تداخلت فيه العبارات النابية بحقه، حاول الكاتب ثنيهم فما فلح وصبر النائب محاولاً محاورتهم بتهذيب، وبدوره لم يفلح، عاد إلى الخيمة ليرتاح قليلاً، لكن مرافقه لاحظ بأن هؤلاء كانوا يحضرون لشغب واسع مع إحضارهم لقناني المياه لرشقه بها، حتى اتصل بالدرك فأتوا وأفرغوا الساحة منهم.

سرد المراقبون تلك الحادثة للتأكيد والتدليل على أن مخطّطاً كاد أن يقود لبنان البارحة إلى موضوع مختلف عن مسألة شهادة العسكريين وأسباب الخطف. ويظن هؤلاء بأنّ المرحلة الجديدة ستشهد اصطفافًا صارمًا كشف بعضاً منه رئيس التيار الوطنيّ الحرّ جبران باسيل في بيان تكتّل التغيير والإصلاح حين أشار إلى وجوب التعاطي مع الواقع الجديد في سوريا بالانكباب على مصالح لبنان، ودافع بدوره على ما أنجزه حزب الله والجيش اللبنانيّ واعتبره نصراً وطنيّاً. هذا الاصطفاف يؤشّر وببراغماتية معهودة إلى أن المشهد السوريّ لم يكن كما كان في اللحظة التي تم اختطاف العسكريين، فالتحرير سيكتمل سوريّاً مثلما اكتمل لبنانيّاً، والاعتراف بوجوديّة الرئيس السوريّ بشار الأسد والحكومة السورية لم يعد محصوراً بفريق الممانعة بل بدول كانت على خصومة معه، ولا يفترض بلبنان أن يقف بالاتجاه المعاكس، وكان باسيل قد تكلم على هذا الأمر في مجلس الوزراء ودافع حين ذلك عن زيارة الوزراء إلى سوريا.

هل سيؤشّر هذا الخطاب السياسيّ إلى مرحلة جديدة في لبنان؟

يشير بعض المعنيين والمتابعين، بأن لبنان قد بات داخل هذه المرحلة تتحرك به ويتحرك بها، فهو لن يكون وطن لجوء ونزوح وإرهاب كما قال باسيل، بل وطن له دوره الجوهريّ ضمن خصوصيته الذاتية والسياسية. ويشير هؤلاء إلى أن التفاوض مع السوريين بالتحديد حول مسألة النازحين السوريين سيتكثّف بعد تنظيف الجرود من الإرهابيين، وستتأمّن أرضية العودة بالتعاون مع الأمم المتحدة. فقضية الاندماج بالنسبة لهؤلاء بطل دورها مع القضاء الجذريّ على الارهابيين. وفي الوقت عينه يرى هؤلاء المعنيون والمتابعون بأنّ الرئيس سعد الحريري وهو على وشك إعلان حداد وطنيّ بالنسبة للعسكريين يتهيّب الموقف بخصوص العلاقة مع سوريا وخصوص المرحلة السابقة، وهو سيتعامل بواقعية معها، فيما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مدعوماً من حزب الله والتيار الوطنيّ الحرّ وعدد من القوى السياسيّة الأساسيّة ميال إلى تأليف لجنة تحقيق في سبيل كشف ملابسات اختطاف الجنود وقتلهم. وتقول معلومات بأن التحقيق حين يبلغ خواتيمه سيكشف المرحلة الجديدة بعمقها السياسيّ والمعنويّ، وهذا ما تخشاه بعض القوى السياسيّة علماً بأنه واضح ومنظور شيئاً فشيئاً. والمرحلة الجديدة عنوانها انتخابات نيابية في أيار المقبل تأتي تحالفاتها متناسقة مع هبوب رياح الحسم قي دير الزور وصولاً إلى البو كمال حيث لجأ إليها الداعشيون. لقد قال امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بانه سيلاحق الحزب المسلحين ويقتلهم في البادية فهو جديّ وهو يكشف للبنانيين مواقيت الحسم السوريّ التي ستقضي بصورة جذريّة على الإرهابيين في سوريا لتؤمن التحرير الثالث لحزب الله والتحرير الأول لسوريا بعد حرب استمرت ثلاث سنوات.

تبقى نافذة في خصوص المطرانين بولس يازجي يوحنّا إبراهيم والصحافي سمير كسّاب فتحها السيد حسن نصرالله حين قال نقلاً عن «داعش» بانهم ليسوا بحوزتهم ولا تعرف شيئاً عنهم. النافذة ستطلّ على سؤال سيملك نصرالله مع اللواء عباس إبراهيم الجواب عليه في محطات قادمة أين هم؟ إذا لم يكونوا مع «داعش» فهل هم مع «جبهة النصرة»؟ ومعروف بانّ «جبهة النصرة» لا تقتل المخطوفين بل تفاوض وتقايض عليهم وتجري الصفقات من خلال استعمالهم كورقة للضغط، ينتظر مسيحيو المشرق جواباً على هذا السؤال الكبير، والسؤال الآخر المستتبع لماذا لم تطل الجهة الخاطفة وتعلن مسؤوليتها ومطاليبها؟

السؤال الأخير في هذه المسألة والمفترض ان يطرحه كثيرون إذا كان المطرانان قد توفيا وتلك فرضية واقعية وقد تكون راسخة، فمن المفترض ان تسلم أجسادهما أو رفاتهما لتكريمهما بما يليق بهما، وإذا كانا على قيد الحياة وهذا الاحتمال ضعيف للغاية فالجهات المفاوضة تفعل فعلها وتبادل الشروط موجود. النافذة التي فتحها امين عام حزب الله تستدعي من الجميع وعلى رأسهم رئيس الجمهورية مواكبة هذا الموضوع، فمعرفة مصير المطرانين تساوي بل تضاهي  اكتشاف مصير العسكريين وكلا الأمران يصبان في رفعة الحق ولا شيء سوى الحق.