مرَّ يوم السبت في 6 أيلول، أي في اليوم التالي للقرارات الكبيرة التي رحب بها أو تبناها مجلس الوزراء، في مدن وبلدات وقرى جنوب الليطاني، وعلى الأخصّ في أقضية بنت جبيل وصور وحاصبيا ومرجعيون بهدوء غير مسبوق، ما خلا سماع أصوات عنين الـM.K أو المسيَّرات والمحلِّقات في العمق البعيد عن ضفاف النهر الذي بات مفصلاً حاداً في مسائل الأمن والسلم في لبنان، وعموم منطقة الشرق الأوسط، لا سيما الحدود من رأس الناقورة إلى قرى العرقوب، امتداداً الى مزارع شبعا التي كانت لبنانية، فعادت سورية، ثم طرحتها المقاومة على طاولة التحرير بعد العام 2000، الذي فيه أعلن تحرير الجنوب، من عناصر جيش لبنان الجنوبي وقوات الإحتلال الاسرائيلي في 25 أيار، وصار للبنان عيد للمقاومة والتحرير..
المسألة المطروحة هنا، على سبيل البدايات لا غير، هل الهدوء الذي عاشه الجنوبيون في القرى التي عادوا إليها، على صلة بالخطة التي وضعتها قيادة الجيش اللبناني، وعلى رأسها الضابط القدير، العماد رودولف هيكل، الذي يشكل وجوده على رأس القيادة العسكرية عنصر اطمئنان للبنانيين جميعاً، لا سيما ما يسمى إصطلاحاً بـ«بيئة المقاومة» أو بيئة «الثنائي الشيعي».. المسألة إذاً: هل الهدوء مرتبط بالجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، أو أنه على صلة بجولة الدبلوماسية الأميركية، الأنيقة مورغن أورتاغوس، ومعها قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي، الذي أراد رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب أن يحوّله إلى شرطة تأديب وسيطرة عالمية، على ما يمكن وصفه «بالدول المتمردة» على الهيمنة الأميركية، كفنزويلا التي توعدها ترامب بشن ضربات، على خلفية ما أسماه تجارة المخدرات وتبييض العملة وسوى ذلك من الجرائم المالية الدولية..
لم يكن إطلاق اسم وزارة الحرب على البنتاغون، عمل يأتي من فراغ، بل في إطار إفهام محور شنغهاي الآسيوي (الصين- الهند والاتحاد الروسي، وصولاً الى كوريا الشمالية، وايران)، ان الولايات المتحدة لن تتهاون مع التبدلات «الجيوإيكوناميكية» (الجغرافيا- الاقتصادية) ذات الصلة بالصراع على الطاقة والمعادن الثمينة، وحركة الملاحة في البحر الهادئ..
في سماء الجنوب كله، وربما لبنان، انكفاء للمسيَّرات والاعتداءات (نسبياً) على خلفية رحلة مورغن وقائد المنطقة الوسطى، حيث حلت مكان هذا الانكفاء «مروحيات صديقة» يرجح أنها «للزائر الأميركي» بخلفية الدبلوماسية والأمنية..
لم يُخفِ الوفد الآتي على عجل قبل مجيئه، أن لقاءاته ستقتصر على الشخصيات العسكرية والأمنية، وربما تشمل رئيس الجمهورية العماد جوزف عون، والغاية تتصل بالاطلِّاع على الخطة العسكرية لجنوب الليطاني وسائر الأراضي اللبنانية، لجهة إنهاء الوجود العسكري لحزب الله وسائر المنظمات الفلسطينية وسواها من أحزاب تدور في فلك المقاومة..
أبلغ العماد هيكل مجلس الوزراء، على الرغم من سرية المداولات أنه في غضون ثلاثة اشهر، أي مع حلول السنة الجديدة 2026، يكون الجيش اللبناني أحكم سيطرته، ووضع يده على كل ما له علاقة بسلاح حزب الله، من أسلحة ثقيلة، ومخابئ، وحتى أنفاق ومسيَّرات، وهو (أي الجيش) في مهمته هذه، يلقى تعاوناً من الحزب والأهالي (أي بيئة الحزب) مدعوماً بقوة حفظ السلام (اليونيفيل).
كان السؤال على طاولة مجلس الوزراء، هل تحول الاعتداءات والانتهاكات الاسرائيلية المتمادية في الحؤول دون الجيش ومهمته أو خططه العسكرية الهادفة إلى بسط نفوذه على كامل التراب الوطني جنوب الليطاني، والانسحاب من النقاط الخمس أو الثماني، وعدم تكرار الاعتداءات ومنع المواطنين من العودة أو اعادة ترميم أو اصلاح أو بناء منازلهم المهدّمة، والاستعداد لإطلاق الأسرى؟.
المعضلة، وضعت في عهدة الوسيط الأميركي، والضامن الدولي الآخر، لوقف النار، أي الجانب الفرنسي (والمعضلة في مكان آخر) تتعلق بمشروع المنطقة الاقتصادية المزدهرة التي اقترحها ترمب في قرى الجنوب الأمامية..
بالعودة الى كونولوجيا الاعتداءات والاحتلالات الاسرائيلية والحروب الاسرائيلية مع لبنان، أن جنوب الليطاني من معركة المالكية عام 1948، حيث استشهد الضابط اللبناني محمد زغيب (من مدينة بعلبك) الى اتفاقية الهدنة عام 1949، شكل عناوين التوتر والاستقرار في لبنان، بدءاً، من «فتح لاند» مع خروج منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن، بعد المعارك الضارية مع الجيش الاردني الى مرحلة المواجهة والاعتداءات، التي تمثلت باجتياح جنوبي الليطاني عام 1978، وصدور القرار 425، الذي أدخل «اليونيفيل» لأول مرة الى أرض الجنوب، مع ولاية الأمين العام للامم المتحدة كورت فالدهايم، الذي لم يكن صديقاً للحركة الصهيونية العالمية..
جاءت حرب الـ1982، بدءاً من جنوبي الليطاني إلى بيروت، عندما كان المتطرف آرييل شارون وزيراً للدفاع.
ولد حزب الله، كمقاومة من رحم حركة «أمل» وباشراف «الحرس الثوري» الايراني، وبدأت مهام التحرير من بيروت إلى الخط الساحلي، وصيدا، والنبطية وصور، وسائر قرى شمال الليطاني، ثم بعد ذلك جنوب الليطاني.
عاد الوضع الى ما كان عليه، قبل الدخول الفلسطيني..
ووقفت اسرائيل داخل الأراضي المحتلة عندما اعتبر الخط الأزرق، وبلغ نفوذ الحزب العسكري والشعبي، ببناء مواقع عسكرية عند ما يسمى «بالحافة الأمامية» بعد حرب الـ2006، التي كان محورها استعادة الأسرى..
قلبت «حرب الاسناد» التي دخلها حزب الله لنصرة حركة «حماس» في طوفان الأقصى الموقف رأساً على عقب.. وبدا الحزب مع الحكومة الجديدة، فاقداً للشرعية، وبدأت عملية اخراجه من المشهد من الجنوب الى الضاحية والبقاع، في عملية بالغة الصعوبة والتعقيد، كما هو الحال بالنسبة الى وضع لبنان، وجنوب الجنوب، الذي يشكل مفتاح الحروب ومشاريع السلام!