بتاريخ الخامس من الشهر الجاري، كلّفت الحكومة اللبنانية الجيش اللبناني مهمّة وضع خطّة لجمع السلاح وحصره بيد الدولة، بمهلةٍ أقصاها نهاية العام الحالي. على أن يُقدّم خطّته في مهلة تنتهي آخر هذا الشهر.
بانتظار إعداد هذه الخطة لتقديمها إلى مجلس الوزراء في الجلسة التي حدّدت في الثاني من الشهر المُقبل. كثرت التوّقعات والتحاليل والسيناريوات، البعيدة كلّ البُعد عن الحقيقة والواقع.
منهم مَن قال، إنّ الجيش سيُعلن عجزه عن تبنّي خطة عمليّة لجمع السلاح وحصره بيد الدولة، مُشترطًا توافقًا سياسيًا على القرار والتنفيذ…كذا… ومنهم مَن قال إنّ الجيش سيطلب من السلطة السياسية، إعادة النظر في قرارها…كذا… ومنهم مَن قال إن الجيش لن يلتزم بمهلة زمنية مُحدّدة، إنّما سيترك مهل التنفيذ مفتوحة…كذا… .
كُلّ هذه التوقُّعات والتحاليل بعيدة عن الواقع بحُكم الدستور والقوانين المرعية الإجراء.
فالمادة 17 من الدستور أناطت السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء.
والمادة 65 من الدستور نصّت حرفيًّا: “تُناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء، وهو السلطة التي تخضع لها القوات المسلّحة…”.
كذلك المادة 49 من الدستور نصّت أنّ رئيس الجمهورية يرأس المجلس الأعلى للدفاع، وهو القائد الأعلى للقوات المسلّحة، التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء…”.
كلّ ذلك لنقول إنّ القوات المسلّحة ومن ضمنها الجيش اللبناني، تخضع لسلطة مجلس الوزراء و مُقرّراته.
وبالعودة إلى قانون الدفاع الوطني، الصادر بالمرسوم رقم 102/1983، وتحديدًا إلى نص المادة الخامسة منه، يتبيّن جليًّا أنّ الجيش يُمارس صلاحياته وفقًا لأحكام الدستور والقوانين النافذة.
وأيضًا المادة 6 منه تنصّ على أنّ مجلس الوزراء هو الذي يُقرّر السياسة العامة الدفاعية والأمنية، ويُعيّن أهدافها، ويُشرِف على تنفيذها.
كذلك المادة 8 من نفس القانون تنصّ على أنّه يقتضي على المجلس الأعلى للدفاع تنفيذ السياسة الدفاعية، كما يُحدّدها مجلس الوزراء ويقرّها.
وبالخُلاصة، واستنادًا إلى أحكام الدستور ونصوص القوانين النافذة لا سيّما قانون الدفاع الوطني. مَن يُحدد السياسة العامة الدفاعية والأمنية، ومَن يتّخذ القرارات في السياسة العامة، هو مجلس الوزراء. فيما مؤسسة الجيش اللبناني مهمّتها إنفاذ هذه القرارات وتطبيقها.
فلكلّ سلطة في الدولة صلاحياتها… مثلًا صلاحية التشريع هي للسلطة التشريعية. وصلاحية مراجعة دستورية التشريع هي للمجلس الدستوري. فلا يحّق للمجلس الدستوري قبول مراجعة وإبطال تشريع، وإعادة التشريع بشكلٍ دستوري. إنّما يُبطل القانون، ويُعيد مجلس النواب التشريع مع مراعاة قرارات المجلس الدستوري.
وأيضًا من صلاحية مجلس الوزراء اتّخاذ القرارات التنفيذية في كافة الميادين الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية وعلى المؤسسات المعنيّة تنفيذها. من دون أن يحّق لهذه المؤسسات دراسة استنسابيّتها وصوابيّتها.
بالتالي، مِن صلاحية مجلس الوزراء اتّخاذ القرار بجمع السلاح وحصره بيد الدولة. ومِن مهام الجيش اللبناني تنفيذ القرارات وتطبيقها، من دون الدخول في صوابيّتها أم استنسابيّتها أم جوازها.
واستنادًا لكامل ما تقدّم، نرى أنّ كافة التوّقعات بأن تشترط قيادة الجيش توافقًا سياسيًا على هذه القرارات، أم إرجاء تطبيقها لتأمين ظروف ملائمة، لا يتلاءم مع الدستور والقوانين النافذة.
لا سيّما، وأن قائد الجيش وقيادة المؤسسة يتّسمون بالمناقبية والحِسّ الوطني المُرهف. ولن يُخالفوا قرارات مجلس الوزراء وتوجيهاته.
فدولة القانون لا تُبنى إلاّ بالالتزام بالدستور ونصوص القانون. ولا أعتقد أنّ المؤسسة الحامية لأمن الوطن والمواطن والمؤسسات ستُخيّب أمل كل لبناني آمن بالدولة ومؤسساتها.
بالخُلاصة، إنّ كلّ رهان على تهيّؤات وأُمنيات لن يجدي. فالجيش مؤتمَن على تنفيذ قرارات السلطة السياسية. وهذا ما سيُقدِم عليه من دون أي تهاون
فالجيش يبقى الضمانة. فالشرف والتضحية والوفاء يبقى هو العنوان. ولا مفرّ من ذلك، مهما اختلفت الظروف وتبدّلت.