IMLebanon

فن المستحيل.. في لبنان

لو كانت أوضاع لبنان المتعثرة تستقيم بتحالف سياسي بين «الجنرال» و«الحكيم» لكنا أول المهللين «لتنازل» الدكتور سمير جعجع للجنرال ميشال عون عن جائزة الترضية المخصصة لموارنة لبنان: رئاسة الجمهورية. ولو كان التنافس على رفع اسم لبنان عن قائمة الدول الفاشلة لكنا أول المرحبين بتوحيد صفوف الفريقين الأقوى على الساحة المارونية في معركة رئاسة الجمهورية. ولكن حزب القوات اللبنانية٬ في انقلابه على «14 آذار» ولجوئه إلى التيار العوني٬ يبدو اليوم كالمستجير من الرمضاء بالنار. إلا أن المقلق في انقلاب حزب القوات اللبنانية على نفسه – قبل انقلابه على حلفائه في تكتل «14 آذار» ­ هو دور العوامل الشخصية التي أملته.

ربما كان لرئيس حزب القوات اللبنانية عذر في تقديمه العامل الشخصي على السياسي في معركة الرئاسة اللبنانية بعد أن اتخذ حلفاؤه في «كتلة المستقبل» قراًرا بتأييد ترشيح خصمه السياسي٬ سليمان فرنجية٬ للرئاسة دون استشارته٬ كما تردد في بيروت. ولكن ذلك٬ إن صح٬ لا يبرئه من تهمة التصرف بدوافع شخصية بقدر ما يدينه بها.

قد يجوز التساؤل هنا: متى خرجت اللعبة السياسية في لبنان عن إطار الحسابات الشخصية المعززة بالاعتبارات المذهبية والدعامات الخارجية؟

إذا سلمنا بهذه الخلفية التقليدية للحراك السياسي في لبنان يمكن اعتبار «انقلاب» جعجع ضربة معلم أربكت قوى «14 آذار» بسحبها التغطية المارونية التي كانت توفرها لها «القوات اللبنانية»٬ وشككت بعض الشيء في الصفة التمثيلية للمرشح الماروني الآخر٬ سليمان فرنجية. إلا أن البعد الأكثر تأثيًرا للانقلاب على الوضع اللبناني قد يكون في تحّول «8 آذار» إلى كتلة برلمانية مسيحية مدعومة بحزبي الثنائية الشيعية٬ حركة «أمل» و«حزب الله». وإذا صمد «حزب الله» و«أمل» في تحالفهما مع الكتلة «المارونية»٬ فقد يشهد لبنان عودة إلى معادلة الاستقطاب الثنائي الطائفي التي كانت سائدة قبل حربه الأهلية في سبعينات القرن الماضي٬ ولكن بتركيبة جديدة.

أما على الصعيد العملي٬ فإن انقلاب جعجع لم يضف إلى رصيد الجنرال عون الانتخابي أكثر من ثمانية نواب٬ ما قد لا يكفي لمنحه أكثرية ثلثي البرلمان المطلوبة لانتخابه٬ ما قد يؤدي إلى استمرار سيناريو مقاطعة جلسات انتخاب الرئيس٬ ولكن في ظل تبدل في الأدوار بين المقاطعين والحاضرين٬ وبالتالي إطالة أمد الشغور الرئاسي. وهذا السيناريو يصبح أكثر احتمالاً في حال صحت التسريبات القائلة بأن الرئيس نبيه بري سيدعم ترشيح سليمان فرنجية لقطع الطريق على وصول «حليف حليفه» (الجنرال عون) إلى سدة الرئاسة.

رغم التزام «حزب الله» الصمت (حتى كتابة هذه السطور) حيال الاتفاق القواتي – العوني٬ ورغم أن الجنرال عون لم يتراجع عن التزامه بورقة «إعلان النيات» مع حزب الله٬ فمن الصعب الافتراض بأن الاتفاق لم يعّرض تحالفه مع عون لـ«الاهتزاز»٬ خصوًصا أن جعجع كرر مراًرا٬ بحضوره ودون اعتراض ظاهر٬ الإشادة «بثورة الأرز» (وهي الثورة المضادة لتوجهات حزب الله وسياسته) وطرح٬ كقاعدة لتحالفه المستجد معه٬ «بنوًدا عشرة» تتعارض بمجملها مع مواقف عون من حزب الله. غير أن الليونة التي أبداها جعجع بتغاضيه عن ذكر قضايا خلافية ساخنة٬ مثل سلاح حزب الله ومشاركته في القتال في سوريا٬ توحي باحتمال تقديمه لـ«تنازلات» سياسية لحزب الله قد لا تتقبلها قاعدته الشعبية.

من المتعارف عليه في العالم أن السياسة هي فن الممكن. أحزاب لبنان وحدها تريد أن تجعلها فن المستحيل. وما وقع فيه من انتقال سياسي من الضد إلى الضد يؤكد عبثية المناقبية في اللعبة السياسية الداخلية واستطراًدا ظرفية التحالفات السياسية في لبنان.

ولكن السؤال يبقى: هل حدث هذا التقارب العوني ­ القواتي بـ«وحي» من الخارج أو٬ على الأقل٬ بعلم منه٬ أم أن نزعة الوصولية الطاغية على العمل السياسي في لبنان استعجلته قبل حصوله على الضوء الأخضر الخارجي؟

لا شك في أن تطورات الأيام القليلة المقبلة كفيلة بأن تكشف الإجابة عنه.