مع انكفاء كل الجهود الداخلية المتصلة بالازمة الرئاسية وتسليم القوى السياسية بضرورة ملء الوقت الضائع بالحوارات والتوترات المتقطعة، تجددت فجأة حرارة الحركة الدبلوماسية تجاه بيروت، في اطار استطلاع الرأي اقله كما هو معلن، سعيا وراء المساعدة في ايجاد الحلول والصيغ الكفيلة بتحقيق الخرق المطلوب، بعدما خرج اكثر من مسؤول اوروبي رابطا الازمات اللبنانية بملف الخطر الذي يهدد الحدود الاوروبية جراء ازمة اللاجئين السوريين.
فرغم الإحباط الذي أصاب الجهود الفرنسية على خط تحقيق خرق في الملف الرئاسي اللبناني بفعل العقبات القديمة – الجديدة الداخلية والاقليمية التي رفعت في وجهها، ما قد يرخي بظلاله السلبية حول مصير المسعى المعول عليه لبنانيا ، فإن فرنسا لا تزال مهتمة وبقوة بمتابعة ملف النازحين السوريين الى لبنان، خصوصا أن تداعيات هذه الكارثة الانسانية المتوالية فصولا بلغت قلب أوروبا، حيث يصل الى بيروت رئيس خلية الازمات في وزارة الخارجية باتريس باولي، في مهمة محددة وفق ما تقول أوساط دبلوماسية ، تتمثل في تكوين صورة عن موقف المسؤولين اللبنانيين من أزمة النزوح والاطلاع على تداعيات اللجوء على الواقع اللبناني اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، على أن يضمّن هذه المعطيات في تقريره المسهب والمفصّل الذي سيرفعه الى الوزير ايرلوت عشية زيارته المتوقعة في العاشر من تموز المقبل والتي ينتظر ان يحتل «النزوح» السوري أيضا الحيزّ الأوسع من مباحثاتها، الى جانب رسالة الدعم التي سيحملها الى لبنان واستقراره ومؤسـساته العسكرية والامنية مشددا على ضرورة انجاز الانتخابات الرئاسـية.
من جهته يعد الطرف اللبناني ملفا وافيا ومفصلا مدعما بالدراسات لبحثها مع الضيف الفرنسي، قائما على الدعوة الى انشاء مخيمات للنازحين برعاية أممية، في المناطق الآمنة في سوريا وعلى الحدود لجهة الداخل السوري، وسط الآمال المعلقة على دور باريسي لدعم وجهة النظر اللبنانية في المحافل الدولية لتمكينه من الحصول على أكبر كمّ من المساعدات التي تمكنه من الصمود في وجه الأضرار الناجمة عن ثقل النزوح، مالية كانت أم تربوية أو طبية أو انمائية، رغم اقرار المعنيين باولوية البعد الامني في ملف النازحين ، ذلك أن الجهات الاوروبية والغربية تخشى أن يتم استغلال المخيمات المنتشرة عشوائيا لتوتير الاستقرار اللبناني أو الخارجي واستخدامها لتجنيد ارهابيين وكقاعدة خلفية لعمليات مخلّة بالامن، مدرجة تحت هذا العنوان الزيارات الدورية للوفود الاستخباراتية الاجنبية الى لبنان والتنسيق المفتوح بين الاجهزة اللبنانية والغربية على صعيد تبادل المعلومات قطعا للطريق امام أي مخططات لتعكير الأمنين اللبناني أو العالمي.
وفي حين ستشكل زيارة باولي كما مؤتمر نيويورك مناسبتين ليكرر لبنان موقفه الرافض قطعا أي سياسات أو اجراءات دولية أو أممية تفضي الى توطين النازحين أو دمجهم في المجتمع اللبناني وتمسكه بضرورة عودتهم «الآمنة» لا «الطوعية»، ترى اوساط سياسية عليمة ان اختيار باولي الملم بالملف اللبناني والعالم بخباياه والذي يملك شبكة علاقات واسعة مع مسؤوليه وقياداته السياسية، في هذا التوقيت بالذات، لا بد ان يحمل على الاعتقاد بان المهمة ليست فقط محصورة بتهيئة ظروف زيارة ايرولت بل تتوسع الى ما هو ابعد، وربما الى الاستحقاق الرئاسي في ضوء مساعي باريس المستمرة على هذا الخط علما ان وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف زار فرنسا امس على ان يحط فيها ايضا في 27 و28 منه ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، كاشفة عن ملامح مبادرة فرنسية عمل عليها في السر باتت ملامحها جاهزة ستكون محور لقاءات الوزير الفرنسي مع المسؤولين اللبنانيين ، الذين سيستمزج آراءهم حولها قبل ان توضع بصيغتها الاخيرة في حال كتب لها النجاح ، تقوم على : انتخاب رئيس للجمهورية وفق الاصول الدستورية لست سنوات غير قابلة للتقليص، تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل المكونات السياسية كافة، وضع قانون انتخابي جديد يؤمن صحة التمثيل للجميع، اجراء الانتخابات النيابية في موعدها ورفض اي محاولة للتمديد من جديد.
وتكشف الاوساط ان جملة التطورات الايرانية الداخلية التي كان لها وقع المفاجأة، خصوصا في وزارة الخارجية حيث اقصى ظريف مساعده للشؤون العربية والافريقية حسين امير عبد اللهيان المقرب من الحرس الثوري من منصبه، وعيّن مكانه الناطق باسم الوزارة حسين جابري انصاري المصنف صديقا للدول العربية، وذلك بعدما تم تعيين وزير الدفاع الاسبق علي شمخاني، المتحدر من اصل عربي -عراقي والمنحاز الى الجناح الاكثر واقعية والذي لعب دورا في تحسين العلاقات مع السعودية، أمينا للمجلس الاعلى للامن القومي الايراني في مؤشر جديد الى تغير في اتجاه اعتدال نسبي في السياسة الايرانية لتعكس بصورة اكبر رغبة في الانفتاح والتقدم في اتجاه تقديم تنازلات سياسية قد تسهم في تطور مسار التسويات السياسية، وسط الرهان الفرنسي على تغيير ايجابي قد يفضي، اذا ما اكتملت عناصره ومقوماته، الى الافراج عن رئاسة لبنان عبر تأمين حلفاء طهران في بيروت وتحديدا حزب الله نصاب جلسات انتخاب الرئيس، بعدما لامست الاوضاع الخط الاحمر المرسوم دوليا في ضوء تعرض الاستقرار لاكثر من خضة، كان آخرها تفجير «بلوم بنك» الذي قرأ فيه بعض المراقبين رسالة مزدوجة الاولى ردا على القانون الاميركي والثانية تأكيد استمرار امتلاك ورقة الاستقرار في لبنان.
في الداخل شلل ، فالحكومة التي يفترض أن تقوم بدورها مضافا اليها صلاحيات رئيس الجمهورية، إنتاجيتها لا تتخطى نقطة الصفر، والمجلس النيابي المشلول أصلاً، في عطلة على مدار السنة .بعقد عادي او استثنائي، وحدها طاولات الحوار بوجهيها الوطني والثنائي تلتئم لكسر حدة موجات التصعيد، تاركة للصورة ان تفعل فعلها.