IMLebanon

سنّة بعلبك منقسمون سياسيّاً وعائليّاً: مع الحزب وضدّه

 

 

يحنّ سنّة بعلبك إلى «أيام العزّ» عندما كانت للرئيس رفيق الحريري مؤسسات في البقاع الأوسط. مسؤول المؤسسات محمود الميس كان وصلة وصلهم مع قريطم لتوظيف أبنائهم في السلك العسكري والمؤسسات الخاصة والحصول على مساعدات اجتماعية ومدرسية ومنح جامعية. حينذاك، كان لهم مستوصف و«حضن أمني» متمثّل بقوى الأمن الداخلي التي كانت تغطّيهم في حال قرّر أحدهم حفر بئر أو إنشاء طابق مخالف. بعد استشهاد الحريري، والأزمة المالية التي لحقت بالابن، باتوا «بلا ظهر» ومنسيّين. حتى عندما زار سعد الحريري عرسال فعل ذلك بواسطة مروحية عسكرية، و«نسي» أن يمرّ بهم.

 

قبل أيام، رفع شبان محسوبون على تيار المستقبل في «ساحة ناصر»، عند مدخل سوق مدينة بعلبك، صورة للرئيس الحريري ذيّلت بعبارة: «مقاطعين لعيونك». مع ذلك، لا تعكس اللافتة حقيقة وضع السنّة في المدينة، مع وجود 3 مرشحين يُمكن أن يتقاسموا العدد الأكبر من الأصوات، وهم: ينال صلح على لائحة «الوفاء والأمل» المدعومة من الثنائي الشيعي، صالح الشل على لائحة «بناء الدولة» المدعومة من القوات اللبنانيّة، وخالد صلح على لائحة «ائتلاف التغيير».

التوقعات تشير إلى إمكان مشاركة نحو 7000 ناخب في الاقتراع، من أصل 24 ألفاً شارك أقل من نصفهم في الاستحقاقين النيابي والبلدي الأخيرين، وأن تتراجع نسبة المشاركة عن 2018 الى 25%، على أن تكون النسبة الأكبر من المقترعين لمصلحة ينال صلح، وخصوصاً أن لعبة الحواصل ستكون لمصلحته.

 

 

هنا، يختلط حابل السياسة بنابل العائلية. إذ يمكن إيجاد ناخبين مؤيدين لينال صلح، لكنّهم معارضون لحزب الله. العائليّة تتجلّى أيضاً في مقاطعة عدد كبير من آل الرفاعي، العائلة السنّية الأكبر (أكثر من 4 آلاف ناخب شارك نصفهم في انتخابات 2018)، بسبب عدم ترشّح أيّ من أبناء العائلة. لكن الاعتبار العائلي ليس الوحيد الذي سيخفض عدد أصوات آل الرفاعي، إذ بينهم مناصرون لحزب الله ومنتمون إلى سرايا المقاومة (أكثر من 500 في المدينة) وجمعية المشاريع الخيرية. وكثيرون منهم لا يزالون عاتبين على الحزب الذي حجب، في انتخابات 2018، أصواته عن مرشح «الجمعية» يونس الرفاعي. فيما لم يحدّد «الأحباش» (أكثر من 1000 ناخب غالبيتهم من آل الرفاعي) بعد لمن سيصبّون أصواتهم التفضيليّة.

هكذا تبدو المعركة غير واضحة تماماً. البعض يتحمّس بأن «الغضب السني على حزب الله» سيكون لمصلحة القوات اللبنانية. يغضّ هؤلاء النظر عن خصومة الحريري مع سمير جعجع واتّهامه بالغدر. يقول أحد المسؤولين السابقين في تيار المستقبل في المنطقة إنّ «التصويت للائحة القوات هو أشبه بتسجيل موقف ضد هيمنة الحزب على السلطة والتفلّت الأمني في بعلبك»، حتى ولو أن الأمر سيصب لمصلحة المرشح الماروني أنطوان حبشي لا المرشحين السنيين على لائحة القوات، وهو ما لا يزعج المرشح السني على اللائحة نفسها صالح الشل «المهم التصويت للائحة»، معتبراً أن «المشكلة مع حزب الله ليست في كونه مقاوماً، وإنما في امتلاكه مشروعاً إيرانياً في لبنان وهيمنته على القرار البعلبكي»، مؤكداً أنه «مستقل» وغير مدعوم من الرئيس فؤاد السنيورة «الأنظف من الجميع».

 

توقعات نسب المشاركة تختلف بين متابعٍ وآخر، بحسب الهوى السياسي. يؤكد الشل أنهم سيكونون «أكثر من المعارك الماضية بسبب الوضع الاقتصادي والانهيار»، فيما يعتقد المسؤول السابق في المستقبل أن عدد المنكفئين سيتعدّى الـ 25% ممن شاركوا في 2018. بالنسبة إليه، «الحريري أدّى دوراً في توحيد الشارع السني في بعلبك – الهرمل، فضلاً عن أن إقرار القانون النسبي سمح باسترجاع أحد المقعدين السنيين المصادرين من حزب الله. أما اليوم، فإنّ تعليق الحريري عمله في الحياة السياسية نجم عنه انقسام في هذا الشارع وعزوف البعض عن الاقتراع، وبالتالي خسارة أحد المقعدين أو الاثنين معاً».

حزب الله، من جهته، يراهن على زيادة الأصوات السنية بنسبة 15% عن تلك التي نالها في المدينة عام 2018. الشيخ مشهور صلح، مثلاً، الذي كان خاله حسين صلح (أبو نضال) مرشحاً على لائحة تيار المستقبل في الانتخابات السابقة، يشارك اليوم كتفاً إلى كتف مع النائب حسين الحاج حسن في اللقاءات الانتخابية داخل المدينة. في منزله قيد الإنشاء في حي آل صلح في المدينة، يجاهر الشيخ أمام فاعليات المنطقة الذين يزورونه بدعمه لينال صلح، معتبراً أنه من حصته. يؤكد صلح أن سنّة بعلبك «مندمجون بشكلٍ كامل مع محيطهم، وهو ما يتجلّى في العلاقات السياسية والاجتماعية وعلاقات المصاهرة بينهم». يرفض الشيخ الذي يرى أن الاقتراع «فعل عبادة سيُسأل عنه يوم القيامة»، القول إنّ حزب الله يهيمن على المنطقة في ظل غياب الإنماء، لافتاً إلى أن «الدولة غائبة أصلاً، والحزب لا يستطيع القيام بدورها، وهو أيضاً لا يريد أن يأخذ دورها، بل دفع أثماناً لحماية المدينة، إضافة إلى كونه شكّل جسر تواصل بين السنّة والشيعة».

 

وعن معارضته لأداء الحزب في السنوات الماضية، يقول صلح: «خلافي مع الحزب بدأ بتدخّله العسكري في سوريا، لكن التواصل بقي موجوداً. ما زلتُ مع الشعب السوري المظلوم، لكنني أريد فصل الخلاف في وجهات النظر حول الشأن السوري عن تحالفي مع حزب الله». ويضيف: «أنا في الخطوط العريضة متفق مع حزب الله المقاوم، فنحن كنا من المقاومين ضد العدو الإسرائيلي قبل وجود حزب الله، تماماً كوقوفنا في وجه السياسة الأميركية». لكن لـ«أبو نضال» رأياً آخر، إذ إن «الحزب يهيمن على المدينة ويُصادر صوتها، بالإضافة إلى تقصيره في المشاريع الإنمائية وتغطيته للخارجين عن القانون».

السلم الأهلي هو ما يشغل بال مفتي بعلبك السابق الشيخ بكر الرفاعي. إذ إن «الخطاب المذهبي مرتفع في المدينة، ما سيرفع من مستوى التوتّر»، مشدداً على أن «الاختلاف في وجهات النظر يجب ألا يمسّ بالسلم الأهلي أو ينعكس سلباً على المدينة».

 

«المناضل» الجوهري إلى رئاسة المجلس!

عند دوار العسيرة، في مدينة بعلبك، على بُعد أمتارٍ قليلة من لافتة كتب عليها: «لا مكان للعملاء بيننا»، يتجمّع سائقو الفانات في انتظار «اكتمال النصاب». يقول أحدهم: «إذا طالع عند الشيخ صف ورانا». في طريق مليء بالحفر، تسير السيارات خلف بعضها يعضاً باتجاه فيلا الشيخ عباس الجوهري التي يرفرف فوقها علم لبناني كبير.

 

 

باحةٌ واسعة يتجمّع فيها العشرات ممن يبدو الفقر واضحاً عليهم. زحمة كبيرة أمام دارة «الشيخ» الذي يستقبل الزوار كل يوم جمعة. مجموعة من الشبان أمام المدخل تصل أصواتهم إلى مسامع الجميع باستعدادهم لـ«بيع» هوياتهم. يفتح أحد الشبان الباب الحديدي مواربة: ««تفضّلوا على الديوان إذا بتريدوا».

في الداخل، يتغيّر المشهد. شبانُ وشابات من الماكينة الانتخابية للجوهري يتحلّقون حول أجهزة حاسوب. إحداهنّ تتحدث مع أحد الناخبين القاطنين في العاصمة، واعدةً إيّاه بتأمين نقله من بيروت إلى بعلبك يوم الانتخابات. بالقرب منها، استديو صغير بخلفيّة خضراء، حيث يصوّر الجوهري مقابلاته. في زاوية الغرفة، التي يتقصّد الموجودون فيها التأكد من إقفال الستائر، يجلس الجوهري على مكتبٍ خشبي.

يُشعل سيجارة قبل أن ينطلق في الحديث عن أن «الحزب خائف من مزاجٍ عام يخشى أن يتم الكشف عنه في صناديق الاقتراع». بكل جدية، يؤكد الجوهري أنه يملك حظوظاً مرتفعة للوصول إلى المجلس النيابي. بل يكاد يجزم بأن رئاسة المجلس غير بعيدة عن متناوله! يدرك رئيس لائحة «بناء الدولة» أن الأمر يبدو أشبه بـ«نكتة» ولا ينزعج من ضحكة محدّثه، بل يتبعها بالقول: «أنا مش سكران، أتحدّث جدياً. الترشح هو فعل نضالي، وأنا أريد أن أقدّم نموذجاً معارضاً للحزب وليس للمقاومة التي قدّمنا نحن كعائلة شهيداً فيها (شقيقه)». ينفي الجوهري أن يكون من حصة القوات. «أنا مستقل». عبارة يعيدها أكثر من مرة، ليشير إلى أنّه «رئيس اللائحة» وهو «الآمر والناهي» فيها شيعياً، مقرّاً بأن الرئيس فؤاد السنيورة تدخّل لسحب المرشح العرسالي سميح عز الدين لمصلحة المرشح زيدان الحجيري. فيما «حزب الله تدخّل بالتهديد لسحب ثلاثة من المرشحين الشيعة». الحديث عن رشى انتخابية يثير غضب المعمّم الذي يؤكد أنّ القوات لا تعطيه أموالاً، وأن المرشحين على اللائحة «معترين». أما الأموال التي يدفعها بنفسه، فهي لأن «الناس تحتاج إلى مساعدة، وأفعل ذلك منذ سنوات عبر جمعية يرأسها أحد رجال الأعمال».