IMLebanon

عندما يعتدي لبنان على البحرين  

 

لم يعد لبنان سوى مجرّد «ساحة» تتحكّم بها إيران وتحكمها. هذا كلّ ما في الأمر. يحدث ذلك في وقت يسعى رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من البلد من دون طائل.

 

يكشف ما أقدم عليه «حزب الله» الذي عقد مؤتمراً صحافياً لمعارضين بحرينيين في أحد فنادق بيروت أنّ طريق فتح قنوات مع دول الخليج العربي مقطوعة عن سابق تصوّر وتصميم. ظهر بوضوح أنّه محظور على الحكومة التي تخلّصت من جورج قرداحي وزير الإعلام المحسوب على جماعة «الممانعة» القيام بأي خطوة تخدم لبنان. باختصار شديد، لبنان المقيم في عالم آخر يرفض قراءة الموقف الخليجي القائل: «على لبنان تنفيذ إصلاحات شاملة… وأن لا يكون منطلقاً لأيّ أعمال إرهابية أو إجرامية تزعزع أمن المنطقة واستقرارها أو أن يكون ممرّاً للمخدِّرات»، إلى دول الخليج.

 

ستتضامن دول الخليج في القمّة التي ستنعقد في المملكة العربيّة السعوديّة قريباً مع مملكة البحرين التي أصدرت وزارة الخارجيّة فيها بياناً جاء فيه أنّه «تم تقديم احتجاج شديد اللهجة إلى الحكومة اللبنانية بشأن هذه الاستضافة غير المقبولة إطلاقاً، والتي تُعدّ انتهاكاً صارخاً لمبادئ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، بما يخالف المواثيق الدولية وميثاق جامعة الدول العربية».

 

وأضافت الوزارة أنه «تم إرسال مذكرة احتجاج رسمية إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بهذا الخصوص، تتضمن استنكار مملكة البحرين لهذه الخطوة غير الودية من الجانب اللبناني». ودعت وزارة الخارجية البحرينيّة الحكومة اللبنانية إلى «ضرورة منع مثل هذه الممارسات المستهجنة التي تستهدف الإساءة إلى مملكة البحرين، وتتنافى مع أبسط الأعراف الديبلوماسية ولا تنسجم مع العلاقات الأخوية التي تربط بين الشعبين الشقيقين».

 

أن تعقد «حركة الوفاق» البحرينية، التي تحظرها مملكة البحرين منذ العام 2016 مؤتمراً في بيروت خصّص لمهاجمة البحرين، دليل على أنّ إيران قرّرت زيادة ضغطها على لبنان. سمحت بإقالة القرداحي، المحسوب عليها وعلى النظام السوري، لكنها لن تقبل بالذهاب إلى أبعد من ذلك. تبدو الرسالة الإيرانيّة واضحة كلّ الوضوح. فحوى الرسالة أن لبنان ورقة إيرانيّة لا أكثر وعلى المجتمع الدولي، على رأسه الولايات المتحدة استيعاب ذلك وأخذ العلم به. لبنان رهينة إيرانيّة. لبنان بلد تستخدمه إيران كيفما تشاء وفي أي اتجاه تشاء. الأكيد أن نجيب ميقاتي يعرف ذلك قبل غيره ولا داعي لفتح تحقيق من أيّ نوع لمعرفة كيف وجدت حركة مصنّفة «إرهابيّة» في البحرين منبراً لها في بيروت تحرّض فيه على المملكة الآمنة التي لم تؤذِ أحداً في يوم من الأيّام. أكثر من ذلك، قدمت البحرين كلّ الخير للبنان واللبنانيين ولم تتردّد في التعاطي معهم بطريقة تدلّ على أنّهم مواطنون من مواطنيها.

 

من الواضح أنّ لبنان ليس همّاً إيرانياً. على العكس من ذلك، لبنان بالنسبة إلى «الجمهوريّة الإسلاميّة» بمثابة برتقالة لا بدّ من عصرها حتّى آخر نقطة فيها. ربّما كان ذلك وراء تحالفها مع «العونيين» الذين يمثلون «التيّار البرتقالي» في البلد. بكلام أوضح، يجب أن يبقى لبنان معزولاً عن محيطه العربي، وأن يكون لكلّ عاصمة عربيّة تسيطر عليها طهران وظيفة محدّدة. وظيفة بيروت أن تكون قاعدة للإعلام الإيراني تقول انطلاقاً منها «الجمهوريّة الإسلاميّة» ما لا تريد قوله لا من بغداد ولا من دمشق ولا من صنعاء.

 

كلّما مرّ يوم، يتبيّن أكثر أنّ لا هدف لإيران عبر «حزب الله»، الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» سوى تدمير البلد، الذي اسمه لبنان، وعزله عن محيطه العربي، خصوصاً الخليجي. لم تعد إيران تقرّر من هو رئيس الجمهورية اللبنانيّة فحسب، بل صارت تقرّر أيضاً هل مسموح انعقاد مجلس الوزراء. لو لم يرضخ نجيب ميقاتي لمطالب الحزب، لما كانت تشكّلت حكومته الأخيرة التي يسيطر عليها «حزب الله».

 

في المقابل، لا يريد لبنان فهم أنّ الموقف الخليجي منه موقف موحّد، وأن لا خيار آخر أمام كلّ دولة من دول الخليج سوى الدفاع عن نفسها وعن مصالحها بطريقتها الخاصة. لا تستطيع السعوديّة الوقوف مكتوفة أمام ما تعرّض له انطلاقاً من اليمن. ولا تستطيع البحرين اتخاذ موقف المتفرّج في مواجهة التحريض الإيراني عليها انطلاقاً من لبنان. ما لا بدّ من تذكره أن الخليج كلّه وقف مع البحرين وحال دون سقوطها بعد التحريض المذهبي الذي مارسته إيران في العام 2011 مستغلّة بدورها «الربيع العربي» الذي لم يكن سوى خريف حلّ بكل بلد عربي باستثناء مصر التي عرفت كيف تلتقط أنفاسها. كان ذلك بتخلّصها من حكم الإخوان المسلمين، قبل فوات الأوان.

 

صمدت البحرين وستبقى صامدة، لكن المقلق في الأمر أن إيران تبشر من خلال «الساحة» اللبنانيّة بمعاودة حملتها على تلك الدولة الصغيرة التي استطاعت إيجاد موقع لها في المنطقة عن طريق نشر ثقافة التسامح مستفيدة من تجربة دولة الإمارات العربيّة المتّحدة ورؤية مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. فقبل أيّام قليلة افتتحت جنوب المنامة أكبر كاتدرائية في منطقة الخليج سمّيت «سيدة العرب». تتسع الكاتدرائية الكاثوليكيّة لـ2300 مصلّ. هل هذا ردّ إيران من بيروت على افتتاح الكاتدرائية في البحرين؟

 

يبدو مثل هذا السؤال مشروعاً. ما يبدو مشروعاً أكثر التساؤل عن موقف رئيس الجمهوريّْة اللبنانيّة ميشال عون وصهره جبران باسيل عندما يتعلّق الأمر باعتداء على البحرين مصدره لبنان. ألم يحن الوقت ليقول الثنائي الرئاسي إنّه فشل في استعادة حقوق المسيحيين في لبنان بواسطة سلاح «حزب الله»؟

 

آن أوان وضع الأمور في نصابها ومصارحة اللبنانيين بأن بلدهم صار في خبر كان، وأن دول الخليج لم تعتدِ عليه بأي شكل. على العكس من ذلك، استطاعت إيران تحويل البلد الصغير إلى قاعدة قواعدها في المنطقة لا أكثر ولا أقل…