IMLebanon

المصارف ممنوعة من بيع بوالص التأمين: العفو عمّا مضى

 

المصارف تبيع عقود التأمين على كونتواراتها. سلوك مخالف للمادة 152 من قانون النقد والتسليف تغاضى عنه مصرف لبنان لسنوات، قبل أن يُجبر، اليوم، على الالتفات إليه بعدما تلقّى كتاباً من لجنة مراقبة هيئات الضمان تطالبه بمنع المصارف من الترويج لعقود التأمين وبيعها في أروقتها

لسنوات خلَت، كانت المصارف تبيع بوالص التأمين في مكاتبها وعلى كونتواراتها. لم يخضع هذا السلوك يوماً للمحاسبة أو الرقابة، بل كان متفلتاً ويُمارَس على مسمع ومرأى من مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف. وصل الفلتان إلى درجة أن المصارف كانت تتنافس في ما بينها على الترويج لبوالص التأمين وبيعها في مكاتبها بوصفها «خدمة» للزبون يحصل من خلالها على قرض وبوليصة تأمين من الموظف نفسه.

 

لكن، في الواقع، خلق هذا التلازم بين البوليصة والقرض احتكاراً شأنه شأن الاحتكارات الأخرى المسيطرة على الأسواق في لبنان، ما كبّد الزبائن أكلافاً باهظة ثمناً لبوالص مفروضة عليهم بلا خيارات إضافية تتيح لهم شراء بوليصة بمواصفات أكثر ملاءمة وأقل سعراً. احتكار مارسته المصارف من خلال تملّكها شركات تأمين أو المساهمة فيها أو إبرام عقود حصرية معها، لتحقيق أرباح طائلة، بما أن غالبية القروض وعقود التسهيلات تتطلب مثل هذه البوالص.

بدأت هذه الممارسات الاحتكارية قبل أكثر من عقدين، لتنتشر وتتوسّع في العقد الأخير حتى صارت «على المكشوف». إذ باتت المصارف تسوّق وتروّج لمنتجات التأمين على وسائل الإعلام المتلفزة والمكتوبة والإلكترونية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي من دون «حياء».

بحسب مصادر مطلعة، تلقت رئيسة لجنة مراقبة هيئات الضمان نادين حبال شكاوى من شركات تأمين تدّعي بأنها تتعرض لمنافسة غير مشروعة من المصارف وشركات التأمين التي تملكها، وأن هذه الثنائية أتاحت لممارسيها «خطف الزبائن» والسيطرة على حصص سوقية واسعة. وتبيّن أن هذه الشكاوى ليست جديدة، لكن مسؤولي اللجنة السابقين كانوا يغضّون النظر عنها، كما دأب مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف على غض الطرف.

إزاء جديّة الشكاوى، انطلقت حبّال في اتجاه تفنيد المخالفات وتثبيتها، ولا سيما أن اللجنة اكتشفت عمليات غشّ في البوالص، إضافة إلى الكثير من الممارسات الخاطئة من قبل بائعيها. البحث عن قانونية الممارسات المشكو منها، أظهر أن هناك مخالفة صريحة للقوانين، إذ يُسمح للمصارف بأن تملك وتدير شركات تأمين، لكن ليس مسموحاً لها بيع منتجات التأمين وترويجها.

بالاستناد إلى هذه الخلاصة، وجّهت حبال كتاباً إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في 14 أيلول تطالبه بالعمل على منع المخالفات. الكتاب يحمل الرقم 2570/ل.م.ض./2017 ويشير إلى قيام بعض المصارف ببثّ إعلانات لعقود التأمين عبر وسائل الإعلام المختلفة والتواصل الاجتماعي، كما أن المصارف تسمح لبائعي البوالص بالعمل انطلاقاً من مكاتبها.

 

خطوة حبّال فرضت على مصرف لبنان الاستيقاظ من حالة التغاضي المزمن عن هذه المخالفات، إذ بدا واضحاً للجنة أن هناك ممارسات مخالفة لمجموعة من القوانين عمرها سنوات. وتحت هذا الضغط، أصدر سلامة إعلاماً موجهاً للمصارف والمؤسسات المالية رقمه 921 في 26 كانون الأول 2017، أي بعد ثلاثة أشهر ونصف شهر على تلقيه كتاب حبّال. وبحسب نصّ الإعلام، فإن المادة 152 من قانون النقد والتسليف تحظر على المصارف أن تزاول تجارة أو صناعة نشاط غريب عن المهنة المصرفية. كما أنه بالاستناد إلى المادة الثانية من القانون المنفذ بالمرسوم 9812 الصادر في 4/5/1968 بعنوان تنظيم هيئات الضمان، يحظر ممارسة عمليات الضمان وإعادة الضمان إلا من قبل هيئات يرخّص لها بذلك من قبل وزير الاقتصاد والتجارة بعد استطلاع رأي المجلس الوطني للضمان.

كذلك جاء في إعلام مصرف لبنان أنه بالاستناد إلى المادتين 38 و39 من قانون تنظيم هيئات الضمان «يحظر التسويق لعمليات الضمان وإعادة الضمان (التأمين وإعادة التأمين) إلا من قبل رؤساء وأعضاء مجالس إدارة هيئات الضمان والممثلين القانونيين للهيئات الأجنبية ووسطاء ومندوبين ووكلاء مرخص لهم من قبل وزارة الاقتصاد والتجارة». ويشير الإعلام صراحة إلى أن «المصارف والمؤسسات المالية ليست من هيئات الضمان أو من وسائطها أو وكلائها أو مندوبيها»، كما أن لجنة مراقبة هيئات الضمان أبلغت مصرف لبنان أن هناك «مصارف تبث إعلانات متعلقة بتسويق عقود التأمين بمختلف أنواعها وعبر مختلف الوسائل الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي»، وأن «عدداً من المصارف والمؤسسات المالية يسمح أيضاً لوسطاء ومندوبين عن هيئات الضمان بالتواجد في مراكز العمل المخصصة لهذه المصارف والمؤسسات المالية و/أو يؤمن لهم أمكنة لتسويق عقود التأمين وإعادة التأمين وغيرها من عمليات الضمان»… «لذلك، فإن مصرف لبنان إذ يلفت النظر إلى النصوص القانونية المشار إليها أعلاه ويدعو المصارف والمؤسسات المالية إلى عدم القيام بعمليات الضمان وإعادة الضمان، من أي نوع كانت، أو التسويق لها بمختلف أنواعها عبر مختلف الوسائل أو بث الإعلانات المتعلقة بها أو السماح لمندوبين عن هيئات الضمان بالتواجد لدى المصارف والمؤسسات المالية المعنية أو تأمين أمكنة لهم وذلك تجنباً للتعرض لأي مساءلة أو عقوبة بهذا الخصوص».

إذاً، يقرّ مصرف لبنان بوجود المخالفات ويحذّر من تكرارها، لكنه منح المصارف «عفواً» نهائياً عما مضى، وكأنّ المخالفات السابقة أو تلك الموثقة من قبل لجنة مراقبة هيئات الضمان والتي استند إليها سلامة لإصدار الإعلام لم تكن! هذا العفو ليس الأول من نوعه الذي تحصل عليه المصارف، فهي اعتادت مخالفة القوانين من دون أي محاسبة على أفعالها، كما حدث منذ بضعة أيام، عندما انتزعت المصارف من سلامة وعداً بتخفيف الغرامات عن مخالفات قامت بها في سوق القطع، رغم المخاطر الكبيرة لهذه المخالفات.

 

قروض تستوجب تأميناً

 

 

تتطلب القروض الشخصية وقروض السيارات والمساكن وقروض التجزئة والعمليات التجارية عبر المصرف تأميناً لمصلحة المموّل أو المصرف لضمان الحصول على حقه في حالة الوفاة أو العجز أو السرقة أو الحريق… هذه القروض لا تشكّل مصدر ربح للمصرف فحسب، بل هي مصدر ربح لشركات التأمين، إذ اكتشف أكثر من 10 مصارف أنه يمكن تسويق وبيع العملاء بوالص التأمين وان تجاهل مصدر الربح هذا في ظل تغاضي الجهات الرقابية عن أي مخالفات نشأت أو قد تنشأ، هو بمثابة تفويت مردود مرتفع.

 

المصالح تبرّر خرق الحقوق

 

في 12 شباط 2015 أصدر مصرف لبنان تعميماً أساسياً يحمل الرقم 134 بعنوان «اصول إجراء العمليات المصرفية والمالية مع العملاء». يتحدّث التعميم عن واجبات المصرف تجاه العملاء وحقوقهم لجهة الشفافية وتزويد العملاء بالمعلومات الدقيقة ونشر ثقافة التعامل الشفاف ومنح العملاء حق الاعتراض امام وحدة منشأة لدى المصارف… ومن بين حقوق العملاء وواجباتهم، نصّ التعميم على أنه يحق للعميل الطلب من المصرف والمؤسسة المالية تحديد الكلفة الفعلية للمنتج أو للخدمة بما فيها الكلفة الفعلية للتأمين وطريقة احتساب الفائدة الدائنة أو المدينة، ويحق له ايضاً «حريّة اختيار شركة التأمين من بين خمس شركات على الأقل مقبولة من المصرف أو المؤسسة المالية ومبيّنة في لائحة خطية، إذا كان الحصول على المنتج أو الخدمة مشروطاً بتقديم بوليصة تأمين».

لكن هناك قلّة قليلة من المصارف تطبق هذا التعميم، وليس كتاب الاعتراض الموجّه من رئيسة لجنة الرقابة على شركات التأمين نادين حبّال إلى مصرف لبنان، إلا دليلاً على وجود مخالفات لحقوق العملاء تعود إلى سنوات.