IMLebanon

موقف باسيل من قمة الرياض سيسهل ولادة القانون

خطاب رئيس التيار الوطنيّ الحرّ الوزير جبران باسيل في البقاع الشماليّ  اول من أمس، كان علامة فارقة فرضت نفسها من جديد في مسرى النقاش السياسيّ حول قانون الانتخابات النيابيّة وقد أدّت مؤدّاها بأن استدعت من رئيس مجلس النواب نبيه برّي عقد مؤتمر صحافيّ لتوضيح رؤيته حول مشروع الخمس عشرة دائرة الذي وضعه في الأصل الوزير السابق مروان شربل، وقد حاز على إجماع المسيحيين، ومن ثمّ على موافقة الحكومة آنذاك برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي.

إستنادًا على الموقفين الصادرين أمس واليوم، تبيّن عند عدد من الأوساط السياسيّة المواكبة بأنّ الأمور متجهة إلى التسييل لهذا الجمود المحيّر والجليد المؤذي، وإلى تسهيل المهمات الرانية لولادة جديدة لهذا القانون وإن بدت قيصريّة.

هل هذا ممكن في لحظة يستعر فيها الاشتباك بين السعودية وإيران، وبين السعوديّة وقطر في ساحات الإقليم الملتهب، وقد تخوّفت مصادر سياسيّة من عدم قدرة الأفرقاء اللبنانيين على حسم النقاش في مضمونه اللبنانيّ، بسبب اندراجه في المساحة العربيّة-الإقليميّة المتصادمة؟ ليس التساؤل مطروحًا، من هذه الزاوية، من عدم، فهو ينتمي إلى الواقعية السياسيّة المغروسة على الأرض بوقائع الأحداث المتدحرجة والمتلاحقة لكون طرح واقعيًّا فإن مقاربة تصدرت النقاشات عند تلك المصادر، بين لحظة حلبيّة غيّرت المسرى الفارغ قي لبنان، وأدّت إلى انتخاب رئيس للجمهوريّة، ولحظة منتظرة قد تفعل فعلها متجذّرة في أرض الواقع من جديد، وتؤدّي إلى إنتاج قانون جديد للانتخابات حيث على أساسه يدعو رئيس الجمهوريّة الهيئات الناخبة إليها بتاريخ محدّد.

بين خطاب باسيل البارحة ومؤتمر برّي اليوم، أضاءت الأوساط على خطاب السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله في الهرمل يوم عيد المقاومة والتحرير، لم تنحصر الإضاءة على الخطاب بحرفيّته، بل غاصت إلى جوهره وجوّه وبيّنت ما يلي:

1- ليس اللحظة مشدودة حصرًا إلى عملية جراحية في جرود عرسال تستأصل الإرهاب من جذوره وتنتهي عند هذا الحد وتكتفي بالنتائج المحدودة فقط، وكأنها تجيء من مدرسة الفنّ للفنّ. فكلّ لحظة في لبنان تفرض ظروفها وشروطها ومعالمها السياسية  بالعناوين والمفردات.

2- ستتولّد من تلك اللحظة الفعليّة لحظة سياسيّة جديدة وهي المنتظرة وهي لحظة صدور قانون للانتخابات النيابيّة تتحدّد فيه معالم المرحلة السياسيّة المقبلة.

3- تولّد المرحلة وتحديدها، يشبه إلى حدّ كبير المرحلة التي تولّدت من معركة حلب. مرحلة الحسم العسكريّ في جرود عرسال، فسحق رأس الأفعى بهذا المعنى يمنح للبنان القدرة على إنتاج قانون جديد تتزاوج فيه النسبيّة المطلقة بالميثاقية الحقيقية الفاعلة، وبالرؤى المبثوثة من الرؤية المسيحيّة.

لم يكن نبيه بري وجبران باسيل بعيدين بأطروحتيهما عن جوّ السيد نصرالله، لقد سبق لباسيل البارحة أن وافق على النسبية وخمس عشرة دائرة ضمن ضوابط خمسة ذكرها من أهمها بالضرورة عدم استئثار طائفة بأخرى، ووقف العد بنيّة إظهار المسيحيين في لبنان جماعة أقلويّة لا يسوغ أن تتمثّل إلاّ ضمن حجمها الطبيعيّ. والرئيس نبيه برّي، في مؤتمره الصحافيّ قال: « لا يوجد عدّ بل نصف مسيحيين ونصف مسلمين»، فيشير بهذا الكلام إلى قبوله بالمناصفة الفعليّة مسلّمًا بضرورتها، «فما يحصل في المنطقة يدعونا للتمسّك بالمسيحيين».

لماذا تفوّه الرئيس برّي بهذا الكلام في هذه اللحظة ولم يتفوّه به من قبل؟

تشير معلومات جديّة ووفقًا لأوساط مراقبة، بأنّ قيادة حزب الله، شاخصة نحو أمرين أساسيين بربط محكم في النتائج:

1- إنهاء ملف جرود عرسال بحسم سريع، وقد بدأ الجيش بعملياته بمساندة واضحة من الحزب.

2- إنهاء ملف الانتخابات النيابية بالتعاطف مع التيار الوطنيّ الحر في رؤيته. والإشارة التي شاءها أمين عام الحزب السيد نصرالله إلى موقف جبران باسيل في القمة العربيّة-الأميركية مع رئيس الجمهوريّة مؤشّر لترسيخ هذا التعاطف باستراتيجية التحالف، بثباته ورسوخه.

وفي المعلومات أيضًا، غداة موقف باسيل من قمّة الرياض، جرى تشاور بين الثنائيّ الشيعيّ، تمّ الاتفاق على اساسه بضرورة تسهيل صدور القانون والانفتاح على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من قبل الرئيس نبيه برّي. وقد سلكت آليات التسهيل من خلال قناة مبادرة النائب جورج عدوان بالتفاعل الإيجابيّ الذي ابداه برّي مع مبادرته والوصول إلى قبوله بالنسبية مع خمس عشرة دائرة. وتظهر المعلومات بأن حزب الله لن يفرّط على الإطلاق بتحالفه المتين والاستراتيجيّ مع التيار الوطنيّ الحرّ، ومن ثمارها الجولة الناجحة التي قام بها باسيل بعد ظهر الأحد الماضي على بلدات بعلبك والهرمل وافتتاحه مكاتب للتيار فيها.

وفي الوقت عينه ردّ باسيل على ما كتب في صحيفة عكاظ السعوديّة وعلى بيان القمّة بكلام حازم وجازم قال فيه: «نحن مصنوعون من الصمود ومجبولون في أرض هذا الوطن، ولذلك لا خوف مهما هددونا أو هاجموا صمودنا أو بقاءنا في هذه الأرض. عندما تواجهنا إسرائيل او يهاجمنا الإرهاب فإننا كلّنا لبنانيين، كلّنا حزب الله وتيار وطني حرّ، وكلّنا مقاومة. لا يوجد فرق. فمن يراهن على تقسيمنا أو تفريقنا سيجد أنّ كل اللبنانيين سيكونون معنا كما جرى خلال  هذا الأسبوع في داخل الحكومة». طبيعة هذا الكلام دلّت على طبيعة التحالف وجوهره وتموضعه في واقعيّة القانون ولحظته. وختم باسيل مؤكّدًا بأنه يتلاقى مع الأفرقاء على النسبية بتشديده على ان الأرثوذكسيّ فيه نسبية والتأهيل فيه نسبية، مؤكّدًا في كلّ ما طرح بأنّه لم يحد لحظة واحدة عن النسبيّة على الرغم من الخلاف مع الرئيس بري والنائب وليد جنبلاط في التفاصيل.

من هنا تكشف المعلومات عن إمكانية صدور القانون بالتزامن والتوازي مع مشيئة الحسم العسكري في جرود عرسال أو يكون ثمرة منه. فطبيعة المعركة وبحسب مصادر أمنية محسومة النتائج سلفًا، فالجرود ستعود للشرعية اللبنانية، ولبنان حتمًا مأخوذ إلى الاستقرار وليس إلى الانفجار، على رغم من التفلّت واللاإستقرار في الإقليم الملتهب. السؤال المطروح في النهاية أين الرئيس سعد الحريري من كل هذا الاصطفاف؟

تؤكّد مصادره بأنّه لن ينجرّ إلى شرخ في العلاقة بينه وبين رئيس الجمهورية، ولن يفرّط في علاقته بالتيار الوطنيّ الحرّ. فعلى الرغم من حضوره القمّة العربية – الأميركية إلاّ أن ورقته في السعودية لا تزال محروقة، فالاهتمام السعوديّ بدوره في لبنان محدود في الوظيفة وهو عالم بذلك. لن يفرّط الحريري بالتحالف مع التيار الوطنيّ الحرّ وقد أبدى استعداده بالسير في القانون الذي يسير به الجميع، وفي الوقت عينه، فإنّ التيار الوطنيّ الحرّ بدوره متمسّك بهذا التحالف على الرغم من أنّه ليس استراتيجيًّا. فقراءة الرئيس عون والوزير باسيل لعلاقتهما مع الحريري بان شيئًا سيتبدّل ويتغيّر في هذا المدى، وطبيعته ستفرض ذاتها على معظم المكونات في لبنان في علاقتها ببعضها وفي سياقها المشرقيّ-العربيّ، وهو حتمًا لمصلحة المقاومة في لبنان.

في الختام سيكون للبنان قانون، المسألة ليست في التوقيت ولكنّ صدوره بات وشيكًا ولا خيار لكلّ القوى إلاّ بالتسليم بالنسبية والدوائر الخمس عشرة مع مراعاة الهواجس والخصوصيات المتلاقية وليس المتنافرة والمتخاصمة حتى الاحتراب. كلام باسيل في عرين المقاومة في بعلبك، ومؤتمر الرئيس برّي يضاف إليهما موقف رئيس الجمهوريّة مؤشّر إيجابيّ يؤذن باقتراب الفرج للبنانيين جميعًا قبل عيد الفطر السعيد وفي شهر رمضان المبارك.