IMLebanon

قبل هلسنكي وبعدها

 

جهات كثيرة أضناها الهمّ والقلق جرّاء قمّة هلسنكي وخلاصاتها واحتمالاتها.. لكن ليست إيران من بين تلك الجهات! بل هي كانت ولا تزال، أول «المطمئنين» وأكثرهم يقيناً!

والتوصيف إيجابي لكن المضمون سلبي.

إيران تعرف مسبقاً وسلفاً قبل تلك القمة، أن «القرار» الصادر في حقّها من قبل إدارة الرئيس دونالد ترامب يُنفّذ بالتقسيط وعلى مراحل، وأن ذلك التنفيذ يتم وفق أنساق متعددة تبعاً لتعدّد القضايا المفتوحة مع طهران.. وإن محاولات «استئنافه» من قبل الأوروبيين مثلاً في الموضوع العقوباتي المتّصل بـ«الاتفاق النووي»، لم تنجح، مثلما أن محاولات تلطيف تبعاته، أو تخفيفها في شأن سوريا لا تنزل تحت سقف التسليم الدولي (بما فيه الروسي) بأن «النفوذ» الإيراني لا يُدرج في سياق الاحتواء الإيجابي، بل في سياق النبذ السلبي!

 

ومثل ذلك، نفوذ إيران في اليمن. وإلى حدّ ما في العراق.. ولبنان. بمعنى أن «القرار» الأميركي يتعامل مع جذر واحد وإن بفروع متعدّدة. وهذا الجذر يتصل بسلوك إيران الاستراتيجي الباحث عن أدوار وعناوين كبرى، عن طريق العنف وآلياته وطقوسه التبشيرية والإرهابية، والمُفضي حكماً، إلى توليد أزمات وتفجيرها، والاستثمار في ما هو موجود وقائم منها..

 

وإيران تعرف أيضاً، أن مشروعها في سوريا تعرّض لكسور خطيرة قبل مجيء ترامب إلى البيت الأبيض، وحتى قبل انطلاق الروس في حملتهم العسكرية أواخر العام 2015 ولكن ازدادت آلام تلك الكسور بعد الحدثَين المذكورَين وصار من الصعب مداراة الحال وادعاء احتمالات الشفاء!

 

وإيران تعرف، قبل هلسنكي بكثير، وصارت تعرف أكثر الآن، أن «جسمها» غريب في سوريا وسيبقى كذلك مهما دفعت من أثمان وعطايا. ومهما نزفت من أموال ودماء.. لا الأرض أرضها ولا الناس ناسها. ولا طقوسها السياسية وغير السياسية مقبولة أو مُستوعبة أو مُستساغة، حتى ضمن البيئة المذهبية القريبة الصلة بها! وكذا الحال إزاء الشعار السياسي والتجارة النضالية.. بحيث أنها «اكتشفت» (وأي اكتشاف؟!) أن صراع الحياة أو الموت الذي تخوضه التركيبة الفئوية الحزبية الحاكمة يحتمل كل «سلاح» ممكن، من المباشر الفعلي الخاص بالغازات السامة.. إلى «الوظيفة» الفعلية الخاصّة بضمان عدم تهديد «أمن إسرائيل» من جهة الجولان «المحتل»، ولا من أي «جهة» أخرى!

 

وإيران تعرف (أم ماذا؟!) أنّ «انتصارها» المدّعى على أعدائها من عموم الأكثرية السورية، لا يُقرّش، ولا يعني الأمر نفسه عند «أصدقائها» و«حلفائها» المنتصرين بدورهم! وإن لحظة الفرز حانت. وهؤلاء «الحلفاء» و«الأصدقاء» جاهروا بالاصطفاف في الجانب الآخر! حيث مصالحهم أكبر وأولى وأهم من أن يهدّدها نفوذ متفلّت مطلوب ضبطه، دولياً وإقليمياً وبإجماع شبه تام!

 

صارت في سوريا ضيفاً ثقيلاً لا يرغب أحد في استضافته! ولم يكن ينقص اكتمال المشهد سوى الإضافة عليه، من قبل إدارة الرئيس ترامب! والأنكى من ذلك، هو أنّ هذا الرئيس «الملطوع» من نواحٍ عدّة ذهنياً وأخلاقياً على ما يُقال، يبدو متيقّناً و«عاقلاً» تماماً في «الموضوع» الإيراني. ويعرف ماذا يفعل وماذا يريد.. وينتظر قرب الهاتف مكالمة من النوع الذي أجراه ميخائيل غورباتشوف بالقادة الغربيين في واشنطن ولندن وبون وباريس قبل أكثر من ربع قرن!

 

قمّة هلسنكي لم تضف شيئاً على ما تعرفه طهران أصلاً وسلفاً، حتى لو أنكرت وكابرت!