IMLebanon

خلف الأخبار السيّئة أخبار أسوأ

لا يعرفون ما هو أفضل من الشوارع التي يتسكّعون ويعيشون فيها. يتعرّضون لسوء المعاملة، والاتّجار بهم، ويُرغَمون على إدمان المخدرات وممارسة الدعارة، ويُجبَرون على القيام بأمور لا يجوز تعريض الأولاد لها. لكنهم بعيدون عن أنظارنا. خلال النهار ينهمكون بمواجهة التحديات الكثيرة التي يتعرّضون لها، وفي الليل لا يجدون ملاذاً أفضل من الاحتماء تحت جسر أو في ظلال مبنى متداعٍ. والولد المشرّد الذي يكون على معرفة بمالك خيمة نافذ يُدعى لدخول الخيمة، فيشعر بالأمان بعيداً من المخاطر التي تتربّص به في الخارج.

لقد سنحت لي الفرصة، في إطار مجهود بذلته من أجل جمع المال لمؤسسة خيرية تساعد الشباب المشرّدين في شمال أميركا، كي أستمع إلى قصص واقعية بألسنة بعض الأشخاص الذين تركت لديهم حياة الشارع ندوباً عميقة لكنهم تخطّوا هذه المرحلة وهم يتطلّعون بتفاؤل إلى المستقبل. يعتصر القلب حزناً وألماً لدى سماع التفاصيل التي رووها عن الإهمال الذي تعرّضوا له من أهلهم أو الأوصياء عليهم أو المجتمع في شكل عام.

النوم في الشارع ليلة واحدة جعلني أدرك مدى هشاشة الأولاد المشرّدين وما يتعرّضون له. أي حياة هذه عندما تكون عاجزاً عن إعالة نفسك، وتتّكل تماماً على كبار يسيئون معاملتك ويستغلّونك في كل مناسبة؟ هذه ليست حياة على الإطلاق. تفقد ثقتك بجميع الأشخاص وبكل شيء. دفعتني هذه التجربة إلى التساؤل، ما الذي يجعلنا نغمض عيوننا عن هذين الظلم والإجحاف في مجتمعاتنا؟

في المقابل، نفتح عيوننا جيداً ونحن نراقب الأشخاص يتسابقون إلى المراكز التجارية كي يشتروا ويستهلكوا ويكدّسوا “الأشياء” غير الضرورية. عوض مساعدة الأكثر هشاشة في مجتمعاتنا، نشبع جشعنا بأمراض التسوّق وإمتاع الحواس. ويشجّع الإعلام من جهته هذا السلوك اللامبالي بمعاناة الآخرين.

تُمطرنا وسائل الإعلام بالأخبار التي تزرع الخوف والمنكَّهة بالسياسة والترفيه والإعلانات التي تحضّ عميان البصيرة بإلحاح على الخروج وشراء مختلف أنواع السلع. وفي الوقت نفسه، يطمس الإعلام حقيقة المسائل الأكثر هولاً التي تعيث خراباً في مجتمعاتنا والتي يجب إيلاؤها اهتماماً فورياً وعاجلاً.

التشرّد والفقر والبطالة وارتفاع كلفة المعيشة والعنف ضد النساء والأولاد هي مشكلات كونية. إنها أشدّ خطورة من التنظيمات الأصولية، ولا يحق لوسائل الإعلام تهميشها.

يجب أن تعكس العناوين الرئيسية المشكلات الحقيقية التي تعانيها مجتمعاتنا وتتوقّف عن التركيز على الإرهابيين بصورة مستمرة. يستحق الناس الاطلاع على نظرة صادقة عن الواقع. على وسائل الإعلام أن تعود إلى الأساسيات التي تحتّم عليها أن تكون في خدمة المجتمع وأن تمثّل هذا المجتمع عوض السماح لمروّجي الخوف والإرهابيين بخطف صفحاتها وعناوينها الرئيسية، لأن الحقيقة هي أن المسائل التي تحتاج إلى اهتمامنا وحسّنا الوطني أكثر سيطرة على الأرض.