يتّجه المجلس النيابي يوم غد الخميس، لإقرار العديد من مشاريع القوانين، واقتراحات القوانين المُقدّمة بصفة معجّل مُكرّر. ومن أبرز هذه الاقتراحات والتي ستكون على مائدة المجلس النيابي، اعتماد اللوائح المُقفلة في بيروت، ضماناً للمُناصفة والتنوّع.
آراء دستورية كثيرة تناولت هذا الاستثناء للعاصمة. منهم مَن اعتبر أنّ إقرار هكذا قانون يُشكّل ضرباً لمبدأ المساواة. إذ لا يجوز اعتماد النظام الأكثري واللوائح القابلة للشطب في بلديات، ونظام اللوائح المُقفلة غير القابلة للشطب في بلديات أُخرى.
بادئ ذي بدء لا بُدّ من الإشارة، إلى أنّ هذا التوجُّه باعتماد اللوائح المُقفلة في العاصمة، سببه الحِفاظ على المُناصفة والتنوّع. ويُعتبر هذا الهدف السامي مُبرّراً مقبولاً للسّماح بهذا الاستثناء وهذا الامتياز.
أمّا لجهة القول، إنّ في إقرار هكذا قانون، نكون قد أطحنا بمبدأ المساواة بين الناخبين والمُرشّحين في البلدات والقُرى، فلا يستقيم للأسباب والمُبرّرات الآتية.
يُعتبر مبدأ المساواة عنصراً أساسياً من عناصر الديمقراطية، بحيث لا نستطيع أن نُضفي على الدولة صفة دولة القانون ما لم يُحترم مبدأ المساواة.
وحرصت الدساتير الفرنسية المتعاقبة على تحقيق هذا المبدأ، إذ أُعلن في فرنسا مبدأ المساواة للمرّة الأولى في إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام 1789. كما تبنّت مُقدّمة الدستور الفرنسي لعام 1946 ما جاء في إعلان العام 1789. كذلك دستور الجمهورية الخامسة لعام 1958.
أمّا لجهة الدستور اللبناني (المُستمد من الدستور الفرنسي) فقد حرص على تكريس مبدأ المساواة أمام القانون، والأعباء العامة، وتولّي الوظائف العامة و…. وذلك في مقدّمته ونصوصه. حيث نصّت المادة السابعة منه على أن كل اللبنانيين سواء لدى القانون، وهُم يتمتّعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية دون تفرقة بينهم.
وبالتالي، يُشكّل مبدأ المساواة الضمانة الدستورية الأساسية للحقوق والحرّيات.
فكيف يُفسّر المجلس الدستوري اللبناني مبدأ المساواة؟
أكّد المجلس الدستوري اللبناني وفي قراره رقم 1/2000 تاريخ 1/2/2000 أنّ مبدأ المساواة هو من المبادئ الدستورية القابلة للتقييم وفق الأوضاع القانونية المُشابهة أو المختلفة. واعتبر أنّ خرق مبدأ المساواة بين المواطنين يكون متوافراً عندما يُقيم القانون تمييزاً لا يمكن تبريره بسببٍ معقول. بالتالي، عندما يكون السبب معقولاً، يكون التمييز في المعاملة مُبرّراً.
إنّ المساواة يجب أن تتميّز بالعمومية المُطلقة. إلاّ أنّ الواقع العملي لا يسمح بتحقيق هذه المساواة المُطلقة. مما يُفيد، أنّ المساواة لا يمكن أن تكون إلاّ نسبيّة، أي أنّها لا تتحقّق إلاّ بالنسبة للمراكز المتماثلة.
وبالخُلاصة، ممكن للمشرّع أن يُعامل بصورة مختلفة، الأشخاص الذين يتواجدون في مراكز مختلفة، تأميناً للمصلحة العامة. على أن يكون هذا التمييز في المعاملة متوافقاً مع غاية القانون.
مما يؤكّد، أنّ استثناء العاصمة باعتماد اللوائح المُقفلة في انتخاباتها البلدية، لا يُعتبر إطاحةً بمبدأ المساواة. لأن للعاصمة خصوصية مختلفة عن باقي المُدُن والقُرى. ومعاملة المشترع لها بصورة مختلفة، يأتي تأميناً للمصلحة العامة، حِفاظاً على المُناصفة بين مكوّناتها، والتنوّع بين شرائحها. وغايته متوافقة مع غاية القانون وتحقيق التمثيل الصحيح. شرط أن لا يترافق هذا التعديل، مع أي انتزاع لأي صلاحية من مرجعيّة وتجييرها إلى مرجعيّةٍ أُخرى، كما يُروّج له ويُسوّق.
علماً، أنّ المجلس الدستوري اللبناني وفي قراره رقم 4/2001 تاريخ 29/9/2001 قضى أنّ التشريع يرمي بحّد ذاته إلى تنظيم الحياة العامة ومصالح الأفراد والمجموعات. كما يوفّر احترام المصلحة العامة وحمايتها. بالتالي، يُفترض أن يأتي التشريع مُحقّقاً للصالح العام l’intérêt general.
وبالختام، هل من مصلحة عامة أسمى من المحافظة على المُناصفة والتعايُش والتنوّع في عاصمة الوطن. وهل مِنْ صالحٍ عام أهمّ من الحفاظ على شرعية التمثيل في بيروت؟ فالمصلحة العامة تفرض هكذا تشريع. والمجلس النيابي يُحقّق بذلك إنجازاً تاريخياً سيُسجّل له بأحرُفٍ مِن ذهب في تاريخ عاصمة الوطن وقلبه النابض.