IMLebanon

من الرياض والقاهرة وبغداد إلى بيروت

 

من الطبيعي في الأيام الكورونية التي طالت مفاعيلها المؤذية أن تنشط الذاكرة التي تختزن أسماء أصدقاء في الرياض والقاهرة وبغداد عطَّلت الجائحة الكورونية لقاءاتهم، كما أن موانع السفر حالت دون زيارات متبادَلة بينهم، فيلجأ المحجور مثل حالنا وحال هؤلاء الأصدقاء في أكثر من عاصمة عربية وأجنبية إلى الاتصال هاتفياً للاطمئنان بداية عما إذا كانت الجائحة لم تلسع كالأفعى السامة الجسم المنهك أصلاً، وإرفاق عبارة الحمد لله على السلامة بالطيِّب من الدعاء أن يحفظ الجميع.

هذا الذي نشير إليه كان يحدث على مدى بضعة أشهر مضت، ثم إذا بكثير من رفاق جلسات النقاش في الرياض التي طال الغياب عنها مع رشْف القهوة العربية التي ينعش هالها ومجلسها النفس التي أضناها غلو الجاريْن الإيراني والتركي، يضيفون إلى الاطمئنان عن الصحة وهل نأى الفيروس المحير والمتحور عنا، الاستهجان من هذا الذي نعيشه في لبنان، وكيف أن وطناً جميلاً يمعن أهل الحُكْم فيه بعثرة، ويتعامل معه أولو الأحزاب والحركات باستهانة كأنه لعبة إلكترونية للتسلية في زمن الحجْر الكوروني. ومع الاستهجان استفسارات من نوع: لماذا يحدث ذلك؟ وكيف أن في كل دول العالم تتشكل الحكومة في خلال أسبوع على الأكثر؟ وإذا كانت هنالك موجبات لتعديل وزاري فإن هذه يؤخذ بها وتسير الأمور وكما لو أن ذلك أمر عادي جداً. كما من بين الاستفسارات المقرونة بالاستهجان ما يتعلق بصيغة استقرار تحققت بعد طول اجتماعات وسعي مخلص هدف السعاة إليه كان إنقاذ لبنان من حرب أهلية.

ولماذا هذا الإيذاء المتعمد لتلك الصيغة التي يُذكر بالخير سعاتها بدءاً بالملك فهد بن عبد العزيز وأشقائه وإخوانه عبد الله وسلطان ونايف والرمز الدبلوماسي المضيء والصبور الأمير سعود الفيصل رحمة الله عليهم، ورحابة صدْر خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان يوم كان ما زال أميراً للرياض ودائم الحرص على أن تكون بيروت كما القاهرة تضيئان دونما انطفاء ولو عابر، ما يبعث في النفوس الطمأنينة. ولكم كانت تخريجاته علاجاً للعُقد التي استحكمت أحياناً ثم أخذت طريقها إلى إذابة التصلب والأخذ بالممكن من النتائج الطيبة. ولولا تلك الصيغة التي هي «اتفاق الطائف» لما كانت قامت قيامة للبنان، ولكانت حاله كما حال دول تتوارث الاحتراب الأهلي وتسود فيها شريعة الميليشيات.

كما يُرفق الأصدقاء الذين يتصلونوهم المحبون للبنان امتداداً لحدْب دولتهم والشعب السعودي عموماً استفسارات الطمأنينة، بالتمني على الممسكين بمقاليد السلطات الكف عن بعثرة خصوصيته.

بداية يسأل هؤلاء: أليس هناك رئيس جمهورية للبنان الشعب والوطن؟ ونجيب: هنالك رئيس إنما هو لحليفه «حزب الله» أولاً وثانياً، ثم ثالثاً للحزب الذي أوكله إلى صهره، صهر الرئيس. ونضيف أنه لو كان، أو لو يتصرف، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على أساس أن واجب الرئاسة صون البلاد فلا تفريط في سيادتها، والحرص على العباد فلا يرتضي ما هي عليه أحوالهم بالغة السوء على مدى ثلاث سنوات مضت، لما كانت حال الوطن على هذه الغلبة عليه أسير إرادة إقليمية تستعمل كورقة في تورط ساقت نفسها إليه.

ويسأل هؤلاء ما الذي يحول دون أن يكون هذا الرئيس كالرئيس السلف، وكلاهما جنرال في جيش شرعي يساكن على أرض الوطن جيش أمر واقع يتبين أنه أقوى شأناً منه كعقيدة وكتسلح. وللتذكير فإن الرئيس السلف الجنرال ميشال سليمان آثر مستبقاً بأشهر ولايته الرئاسية فاستعجل المغادرة بعدما صحح ما كان ارتضاه بفعل إغراء المنصب الرئاسي، وبدأ في التصحيح كمَن يريد القول إن لوطنك عليك حقاً، وإن هذا الحق يتقدم على أي مغريات حتى إذا كان منصب رئاسة الدولة.

ويسأل هؤلاء هل هذا التعطيل لتشكيل حكومة مرتبط بتدبير يتم التحضير له، وهو أن يكون وريث الرئيس الحالي ميشال عون على التحالف نفسه مع «حزب الله»، وذلك ضمن معادلة أن هذا الرئيس لا يستطيع الوصول إلى المنصب الأول والبقاء فيه من دون التحالف مع «حزب الله»، وأن الحزب يتراجع شأناً أو يخوض مواجهة إذا جاء آخر خالٍ من الارتباط ومترهب نسبياً للبنان الوطن والشعب رئيساً للجمهورية؟ وهنا يصبح تعطيل تشكيل الحكومة كما هو حاصل ورقة للضغط والمساومة فيما دور الحكومة وواجبها تسيير أمور البلاد، وتذليل الثغرات التي تعترض علاقات لبنان مع دول العالم، وبالذات مع الدول التي تتعاطف معه ويعنيها أمر استقراره، فضلاً عن دول المجتمع الغربي عموماً من أميركا إلى أوروبا وروسيا الذي يرى في لبنان أنه الملاذ الذي لا ملاذ غيره لمسيحيي الشرق بعد الذي أصابهم في العراق وسوريا، ولأنه كذلك لذا فإن استقراره مهم كصيغة اهتزت، ويمكن تعديل اجتهادات في شأنها أو كحالة من الحياد كتلك التي أطلقها رئيس الكنيسة المارونية البطريرك الراعي وكانت ستبدو أكثر تأثيراً في ضمير الناس، وليس فقط مؤثرة نفسياً لو أن إطلاقها جرى على نحو إطلاق الميثاق الوطني. وقَصْدنا من ذلك القول إن الصيغة التي أطلقها البطريرك الراعي كانت ستبدو مطلباً وطنياً لو كانت ممهورة سلفاً بمباركة مسلمة، كالذي حدث بالنسبة للميثاق الوطني من جانب بشارة الخوري ورياض الصلح وارتضاء الآخرين ذلك قبل ثمانية وسبعين عاماً.

ويسأل هؤلاء عن القصد من مطالبة البعض باستقالة مبكرة لرئيس الجمهورية وكذلك بانتخابات برلمانية، فهل هذا أمر مرتبط بذاك؟ ونوضح للأصدقاء والقلقين المستفسرين أن الغرض من انتخابات برلمانية في حال استقالة مبكرة لرئيس الجمهورية أو حتى إذا بقي حتى نهاية عهده، هو أن ميزان القوى برلمانياً سيتغير، هكذا افتراض دعاة حل البرلمان وإجراء انتخابات. وفي تقدير هؤلاء أن صحوة مسيحية صامتة حتى الآن حدثت وأن مفاعيلها ستظهر في الانتخابات، أي بما معناه تميل كفة الميزان المسيحي للذين يناهضون «حزب الله». لكن مثل هذا الأمر لن يكون مستقيماً إلا في حال هنالك حكومة محايدة، وهنالك أيضاً رقابة من هيئات دولية محايدة أيضاً على العملية الانتخابية.

لن تنتهي الاستفسارات والاتصالات، ومع كل اتصال عبارة عساكم طيَّبين وصابرين وسالمين، ذلك أن الحجر متواصل والكورونا الأصل تتناسل كورونيات من كل نوع. وسيظل الأصدقاء وبالذات من الرياض والقاهرة وبغداد يتصلون مستفسرين وسنبقى مهمومين بالذي حدث لهذا الوطن من بني حاكميه. لا حول ولا قوة إلا بالله. ولا غفر للذين يهيلون أتربة من الأطماع على محيا وطن سيبكون دماً عليه… وإن طال جحودهم. ورحمة الله على لقمان اللبناني – الشيعي – الماروني الذي ارتضى الخيار الذي كان السبب في نهاية رصاصية مثيلة لنهاية صاحب رأي، وقلم مثل لقمان هو سليم اللوزي رحمة الله عليه.