IMLebanon

بري وانسحاب إيران من سورية

   

تتجاوز إعادة انتخاب رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري لدورة سادسة ستستمر حتى عام 2022 الأبعاد المحلية التي حتمت هذه الخطوة وتأييدها من القوى السياسية الرئيسة.

 

فعلى صحة خلفيات الخطوة من الزاوية المحلية، بدءاً بغياب مرشح شيعي آخر للمنصب الذي تتبوأه الطائفة، وأهمية حصول «الثنائي الشيعي» الذي يتشكل من بري و «حزب الله»، على 26 نائباً من أصل الـ27 نائباً شيعياً في الانتخابات الأخيرة، وعلى صحة الحجة القائلة إن بري يشكل صمام الأمان للاستقرار الداخلي لأنه سعى خلال سنوات انتقال الصراع الشيعي السني إلى لبنان إلى الحوار والتهدئة وتنفيس الاحتقان، ولأن زعامات لبنانية عدة تجاوبت معه أبرزها زعيم السنة و «تيار المستقبل» سعد الحريري في مسعاه هذا، فإنه يصعب الاكتفاء بتظهير دور رئيس حركة «أمل» انطلاقاً من هذه الخلفيات وحدها، في بلد تتشابك فيه العوامل المحلية العميقة الجذور والتأثير في التركيبة اللبنانية المعقدة.

 

بقدر الحاجة إلى حنكة بري في التوفيق بين صعود تأثير الطائفة الشيعية في لبنان استناداً إلى الدور المتعاظم الذي لعبه «حزب الله» في قتال إسرائيل، وتحرير جنوب لبنان عام 2000 من الاحتلال الإسرائيلي ثم في إفشال عدوانها عام 2006، وبين قياس هذا الدور استناداً إلى كونه مدعوماً بأهداف إقليمية سورية وإيرانية، فإن رئيس البرلمان سعى على الدوام إلى الإفادة من الحالتين في تعزيز موقع طائفته، لكنه في الوقت نفسه عرف الحدود التي يمكن أن يذهب إليها في قياس هذا الدور استناداً إلى أسبابه الإقليمية. وهو لذلك لعب دوراً ضمنياً في تنعيم مواقف الحزب. فبري نفسه يدرك، خلافاً لقيادات في «حزب الله» تنسب إلى الحزب وإيران أنهما «أخرجا الشيعة من القمقم ولن نعود إليه»، أن الموقع الشيعي المؤثر في السلطة السياسية استند إلى قاعدة سابقة على ظهور الحزب وعلى توسع الدور الإيراني. فالتسليم بموقع الطائفة الجديد في السلطة أرساه اتفاق الطائف عام 1989، بعد مسار أطلقه الإمام موسى الصدر حين أسس «حركة المحرومين» أواخر ستينات القرن الماضي ورفدته أحزاب يسارية واشتراكية وشخصيات ليبيرالية من طوائف أخرى وعززته شعارات «المشاركة» و «إصلاح النظام» من قبل زعامات من المذاهب الإسلامية كافة، مقابل رجحان كفة ما سمي في السبعينات «المارونية السياسية» في مؤسسات السلطة. والأساس الاجتماعي لذاك الحراك الذي قاد إلى اتفاق الطائف كان ارتقاء أبناء المناطق المحرومة نتيجة توسع التعليم الرسمي، والاغتراب والاقتصاد نحو هذه المناطق، بحيث باتت هناك حاجة إلى تغيير في البنى السياسية الطائفية في لبنان وتقاسم السلطة. بري رئيس اتحاد الطلاب في لبنان في الستينات، واحد من عشرات الآلاف الذين عايشوا صيرورة التغيير ثم حتمية حصوله. وهو لذلك يدرك سواء أقر بذلك أم لم يفعل، الفرق بين الأساس «اللبناني» للموقع الجديد لطائفته وبين الأساس «الإيراني» لتعاظم دورها، القابل للانحسار إذ جرى تعظيمه بالمنشطات الإيرانية. وهذا يعني أن موقع الطائفة اللبناني سابق على نشوء الحزب. وليس عبثاً أنه من أكثر المتمسكين باتفاق الطائف، حيال الطامحين إلى نسفه أو تعديله، وليس سراً أنه لعب دوراً في حمل «حزب الله» على مغادرة أي مناورة أو أوهام بتعديله، وإن كان بعض العوامل الخارجية حال دون تطبيقه.

 

ليس صدفة أن بري، على صداقته مع قيادة النظام السوري، لم يرسل أياً من عناصر حركة «أمل» للقتال في سورية، ضد معارضيه ولو جرى وصمهم جميعا بـ «الإرهاب». وليس صدفة أنه على رغم انسجامه مع مقاومة الحزب لقيام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمحاكمة المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تجنب الحملات العنيفة على المحكمة، وترك الأمر للحزب.

 

في الزمن الحالي من الحملات الأميركية والعربية على إيران و «حزب الله»، بالعقوبات وبالمواجهة العسكرية في سورية واليمن وبالحرب الاستخبارية في غيرها، من الطبيعي أن يشكل بري الاحتياط اللبناني لعودة الحزب من مغامراته في الإقليم، إلى لبنان، إذا فرضت الظروف وموازين القوى الانكفاء وتحقيق هذه العودة، لا سيما من سورية. وهو مثل كثيرين يراقب تصاعد الحملة المضادة للتوسع الإيراني، ويتلمس الإصرار الذي بلغه الموقف العربي والغربي في مواجهة النفوذ المتضخم للدولة الفارسية في الدول العربية. ويمكن تصور مدى حرصه على ألا يصاب موقع الطائفة اللبناني بأي تأويل لتراجع إيراني محتمل، على رغم المكابرة من قبل طهران واضطرار «حزب الله» لمواكبتها في ذلك.

 

هوية بري اللبنانية والعربية تشكل احتياطاً للحزب، في السنوات المقبلة التي قد تحتضن تحولات، لا يرى مصلحة للطائفة في أن ترتبط خلالها بالهوية الإيرانية.