IMLebanon

هواجس بري سر زيارة خليل الى بكركي اليوم

ليس يتيماً ذلك السجال الصامت الذي انفجر على حين غرة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري من جهة وبين البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي، وما تضمنه من نعوت واوصاف وصلت الى حد المس بالكرامات عندما حذر رأس الكنيسة المارونية النواب الممددين لانفسهم وكل المعنيين من حولهم بأنه سيكون بلا كرامة من يقبل بالسلة المتكاملة في سياق انتخاب رئيس للجمهورية، وهو الامر الذي يضعه رئيس السلطة التشريعية، كأساس لا بد من ولوجه بداية للدخول الى أي حوار سياسي، بهدف جدولة الاولويات السياسية في الداخل اللبناني على ايقاع التطورات الدراماتيكية التي تحصل في المنطقة.

فهذا السجال، وان بدا ان كل الاطراف المعنية به حريصة على تخبئته وتغليفه ببعض من عبارات الود واحترام المقامات، لكنه يعبر حقيقة عن جوهر الازمة اللبنانية الضاربة عميقاً في جذور التاريخ السياسي للكيان الصغير، المؤسس على زغل، والمشاد في الكثير من جوانبه على ضبابية محكومة بالالتباسات المقصودة والنصوص الغابشة المشوبة بعيوب التعميم وحمالة الاوجه والتفسيرات المتعددة.

وما هذا السجال السياسي المستعر اليوم بين المرجعيتين الدينية والسياسية الا واحد من التعبيرات المتعددة لمستوى الضيق والتذمر من افرازات وتداعيات العقد السياسي والاجتماعي الذي يظلل دستورية إدارة اللعبة السياسية في لبنان، على الرغم من ان سيد بكركي يدرك جيداً انه اليوم لم يعد بموقع من يملي خياراته و«تمنياته» على أهل السياسة في لبنان كما كان في السابق نتيجة التطورات المتعددة الوجوه ، تماما كما يدرك بري ان موقعيته كرئيس لمجلس نواب مدد لنفسه مرتين، مترجرجة وليست متينة كما ينبغي، ولا تخوله ان يمضي في تحدياته الكبيرة على هذا المستوى، وعلى هذا الاساس ولان الرجل المشهود له بالحنكة السياسية لا يستسيغ خوض المعارك الخاسرة والدونكيشوتيات الفارغة فقد اوفد معاونه الشخصي ووزير اسراره وزير المال علي حسن خليل الى بكركي للقاء سيدها والوقوف عند خاطره، بعد ان مهد له ولزيارته بتصريحات وردود ودية و«من دون المس بالكرامات».

فماذا في جعبة خليل ليقوله للبطريرك الماروني؟وما هي هواجس بري في هذا السياق؟ سؤال رد عليه مصدر وزاري رفيع بالقول ان ما يصدر عن الرئيس بري في هذا السياق ليس مفاجئاً لاحد لا سيما بعد ان اعلن الرئيس سعد الحريري تأييده ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية وانخراطه ضمن مروحة القوى السياسية المؤيدة للجنرال، وهو ما يجعله مع نوابه الـ13 ونواب المردة وبعض نواب الكتائب والنواب الخارجين على قرار الحريري، وهذا العدد عملياً لن يتعدي ال28 نائبا في احسن الاحوال، خاصة ان جنبلاط ابدى علنا عدم ممانعته لانتخاب عون رئيساً، مما يعني ان هوامش المناورة في الموضوع الرئاسي لم تنحسر فحسب امام الرئيس بري، بل انعدمت نهائياً، وباتت قوته النيابية لا توازي شيئاً حتى ولو أضيفت الى شتات النواب المعترضين «حرداً» فانها لن تشكل عملياً اي صوت وازن يمكن ان يؤسس لحالة اعتراض جدية على موضوع انتخاب عون، ولا سيما اذا كان الرجل قد حصل على موافقة القوى الاقليمية والدولية وجرى تسويقه خارجيا بالشكل الذي يبدو ان الامور تسير عليه حتى الان.

الى ذلك فإن بري يدرك جيدا انه حين يحين الجد وينخرط الحريري علانية في اعلان عون مرشحه لرئاسة الجمهورية اللبنانية فان «حزب الله» لن يبقى مكتوف الايدي يضيف المصدر الوزاري، بل انه سيبادر في اتجاه اقناع كل حلفائه بالموضوع بمن فيهم حركة امل وتيار المردة، على اعتبار ان له مونة في مكان ما عليهما معاً، وهذا ما عبر عنه الحزب مرارا من خلال أدبياته السياسية وتصريحات مسؤوليه العلنية، ولا شك ان بري وفرنجية اذكى من ان يرفضا مبادرة سيقدمها لهما الحزب لحفظ ماء وجهيهما فقط، مع علمهما المسبق ان رفضهما لهذه الارادة السياسية الدولية والمحلية الجامعة لن يجعلهما يحصدان سوى الخيبات.

انطلاقاً من هذه القراءة يرى مصدر وزاري ان الرئيس بري يستشرف مسارات الامور في ما يتعلق بانتخاب العماد عون الذي لا يتصوره في كرسي الرئاسة الاولى ولا يأتلف معه لا سياسياً ولا كيميائياً، وليس بينهما أي ود يذكر، لكنه بدأ بالمهادنة الاعلامية معه ربطاً برده على رد بكركي الودي عليه، كما ربطاً بما وصف به عون شخصيا بأنه بدا هادئاً وموضوعياً ومتزناً في اطلالته التلفزيونية الاخيرة، رداً على ما كان اعلنه عون من اعتراف بشرعية مجلس النواب الممدد لنفسه، الى قضايا أخرى لطالما كانت مثار جدل بين الرجلين.

وانطلاقاً من هذه الاعتبارات والقراءة المتأنية، والخلاصات، يرى المصدر الوزاري ان بري يتحرك اليوم عبر أذرعه المتعددة، وعلى أكثر من جبهة، ليحجز حصته السياسية في اي تركيبة سياسية مقبلة على لبنان، من دون ان يرمي كل أسلحة العرقلة والتعطيل ويتخلى عنها طوعاً، على أن أمله الدائم يتمثل في ان تتخربط الامور خارجياً وأقليمياً، مع علمه المسبق بأن رهانه في هذا الاطار بات حكرا على السعودية وحدها تقريبا بعد ان اعلنت معظم القوى الرئيسية الفاعلة في الملف اللبناني تأييدها لانتقال جنرال الرابية الى بعبدا وكان آخرهم، الايراني والسوري بعد الدول الغربية الفاعلة، وهو يأمل بالتالي ان تتمكن السعودية من اعادة خلط الاوراق من جديد بما يؤدي الى استبعاد عون من السباق نهائياً، ليتسنى له العودة الى ممارسة هواياته في اخراج الارانب من اكمامه ساعة تقتضي الحاجة.