IMLebanon

بري ـ الحريري: استدراك الفتنة.. بـ«بيان»!

متى تصبح الأزمات على طاولة البحث؟

بري ـ الحريري: استدراك الفتنة.. بـ«بيان»!

ليس مستغرباً أن يضطر نبيه بري وسعد الحريري الى إصدار بيان جاءت لغته أقرب الى خطاب رجال الدين. فتفلت الشارع الذي سبق اجتماعهما والهتافات التي أطلقت، والاستفزازات التي حصلت، قد تبرر الصيغة التي ورد فيها الكلام.

مع ذلك فإن لغة البيان تستدعي التوقف عندها، بسبب صفتَيْ الرجلين تحديداً. الاول رئيس مجلس نواب والثاني نائب ورئيس حكومة سابق. كلاهما ممن يُسوّق لهما بأنهما من اركان الاعتدال في طائفتيهما. يلتقيان، والبلد امام تحديات غير مسبوقة في تاريخه الحديث، فيخرجان ببيان ابرز ما فيه إدانته لـ «التطاول على مقام الدين الحنيف وتفسير آياته البيّنات وأحاديثه الشريفة، (..) خصوصاً لجهة التعرّض الى صحابة الرسول والخلفاء الراشدين». وإدانة لـ «محاولات الإيقاع بين المسلمين وإثارة الفتنة بين المذاهب».

لا أحد غافل عن الصراع السني ـ الشيعي الذي يتحوّل كابوساً في لبنان، ولا بمنتقص من اهمية من يحاولون تجنيب البلد الصغير تحمل عبء الصراع الكبير.

لكن إذا كان بري والحريري يعالجان القضايا بهذا الأسلوب وتلك المقاربة، فماذا يمكن أن يتناول بيان صادر عن الشيخ عبد الامير قبلان والمفتي عبد اللطيف دريان؟

تزداد مشروعية هذا التساؤل لمن يرى المشهد بكليته. فاليوم موعد الجلسة الـ 36 لانتخاب رئيس للجمهورية والفراغ يحتفل بسنته الثانية على كرسي بعبدا المهجور. ينعكس ذلك على كل المؤسسات والإدارات المتهالكة أصلاً. أما الأمن فحاله هي بعض ما استدعى مثل ذاك البيان، وسط نعيق بعض من «يبشرون» بفرح مضمَر، او يتخوفون بصدق، من حروب أهلية. حروب تهدد الاجتماع اللبناني المترنح والمخلّع. والاقتصاد في أسوأ مراحله، من دون أية مساهمة اضافية خارجية. أما الأوضاع البيئية، فما عادت «ترفاً» بعدما صارت النفايات تهدد ارواح الناس بالموت، وتنعكس بشكل مباشر على الفاتورة الصحية، اضافة الى ما يتم تداوله عن «فيروسات» جديدة لنا «شرف» تطويرها وانتشارها.

وفي مواصلة عرض أحوالنا، لا يمكن أن تكون علاقات لبنان الخارجية أشد توتراً مما هي عليه اليوم، سواء مع العرب أو مع الغرب.

قد لا يكون واقع الحال الثقافي المتدهور ولا تراجع المفاهيم القيميّة والأخلاقية، ولا صراعات الهوية، مما يجب أن يندرج على أجندة الحريري ـ بري، وإن كان في الكثير من وجوهه انعكاس لواقع احوالنا.. لكن ماذا عن كل ما سلف؟

ومع ذلك، جاء البيان وفق ما جاء عليه. وأكد أن «هذه الممارسات لا تمتّ الى الاسلام بصلة».

لكن ماذا عن كل ما تبقى من الدولة وهموم الدولة ومواطنيها ومشاكلهم المتفاقمة؟ هل تمّ تداولها وتناولها على مائدة العشاء؟ هل من أفكار لاستراتيجية ما للخروج من الأزمات المتراكمة؟ كيف يمكن منع تكرار المشاهد التي كانت سبب اللقاء؟ هل تداول الطرفان في كيفية الحدّ من الشحن والاستفزاز وتجييش الغرائز؟ وهل فعلاً هما مقتنعان بأن بياناً من هذا النوع سيهدئ النفوس ويفرض هيبة الدولة ويمنع «الأدوات التي تتحرّك في إطار استراتيجية نشر الفوضى؟».

ألن نشهد اليوم اصطفافاً للمعسكرَيْن المتواجهَيْن في مجلس النواب يتبادلان الاتهامات والمسؤوليات عن الفراغ والشلل؟ ألن يزايد كل فريق على الآخر في حرصه على استعادة البلد لعافيته السياسية والاقتصادية مؤبلساً سلوك خصومه؟ ألن تتكرر الوجوه والمواقف والخطابات؟

إذا كان خطاب رئيس المجلس ورئيس الحكومة السابق من هذا المعيار، وهما من أبرز لاعبي الصف الاول، وفق التقسيم اللبناني، فكل خطاب بعدهما يمكن تبريره وتفهّمه.