IMLebanon

برّي: حكومة الوفاق الوطني في كل الظروف

اذا صحّ قول الرئيس نبيه بري ان تأليف الحكومة هو «الجهاد الاكبر»، فإن ما صح البارحة ان الرئيس سعد الحريري عبر بقوة «الجهاد الاصغر»، وبات الآن امام استحقاقين منفصلين عما مر فيه، احدهما عن الآخر: تأليف حكومته وبيانها الوزاري

112 صوتاً للرئيس سعد الحريري لترؤس اولى حكومات عهد الرئيس ميشال عون، ثالث اعلى رقم تسجله الاستشارات النيابية الملزمة منذ وضع المادة 53 المعدلة تبعاً لاصلاحات اتفاق الطائف موضع التطبيق عام 1990. صاحب الرقم القياسي حتى الآن هو الرئيس فؤاد السنيورة حينما كلف تأليف الحكومة عام 2005 (126 نائباً)، يليه الرئيس تمام سلام لحكومة 2014 (124 صوتاً). للحريري تجربة مخيّبة مع الاستشارات النيابية الملزمة لم تحرمه تأليف الحكومة كوالده الرئيس رفيق الحريري عام 1998 والرئيس عمر كرامي عام 2005، الا انها لم تمكنه بعد انتخابات 2009 ــــ وقد خرج منها زعيم الغالبية النيابية ــــ من ولوج رئاستها للمرة الاولى بالقوة التي توخاها. في احسن الاحوال على نحو ما هو عليه اليوم.

حينذاك كلف تأليف الحكومة مرتين على التوالي: اولى في 27 حزيران 2009 فنال في الاستشارات النيابية الملزمة 86 صوتاً ساعدته بعد 73 يوماً على تأليف حكومة، سرعان ما رفضتها المعارضة الممثلة في ذلك الوقت بقوى 8 آذار. كانت المرة الاولى يتسبب رفض المعارضة تشكيلة حكومية قبل صدور مراسيمها بحمل الرئيس المكلف على الاعتذار ثم معاودة المحاولة بثمن باهظ يسترضي معارضيه. اعتذر في 10 ايلول، ثم اعيد تكليفه في 16 منه وحاز 73 صوتاً، فيما احجم عندئذ عن تسميته 55 نائباً معارضاً. لم تسمّه كتلتا الرئيس نبيه بري وحزب الله في المرة الثانية كالاولى، الا انهما شاركتا في حكومته وأمسكتا مع كتلة العماد ميشال عون وقتذاك بالثلث +1، ومنحتها الكتل الثلاث الثقة. ابصرت الحكومة تلك النور من الرابية على نحو غير رسمي في 9 تشرين الثاني، وأطفأتها الرابية في 12 كانون الثاني 2011 باستقالة 11 وزيراً. كانت المرة الأولى منذ اتفاق الطائف يُسقط ثلث معطل الحكومة عملاً بما نصت عليه المادة 69 من الدستور.

مع ان الحريري الاب في حكوماته الاربع لم يحز رقم الابن اخيراً، فترجحت تسميته رئيساً مكلفاً ما بين عامي 1992 و2003 ما بين 77 صوتاً و106 اصوات، واعتذر عن عدم تأليف الحكومة مرتين عامي 1998 و2004 وترك الحكم، الا ان علاقة الحريري الابن بالرئيس الجديد تتسم بمفارقة لافتة. من دون تأييده ترشيح عون للرئاسة وانتخابه، بدا من المتعذر عليه الوصول الى السرايا. الا ان انتخاب الرئيس الاثنين الفائت افضى للتو الى الجزم بالحريري شريكه في السلطة الاجرائية. اطرى الرئيس المكلف خطاب القسم وعثر فيه على عناوين محتملة للبيان الوزاري لحكومته، بيد انه يقف قبالة رئيس للجمهورية تفصله عنه قرابة اربعة عقود في السن (غير مسبوقة في علاقة رأسي السلطة الاجرائية)، وتجربة متناقضة في المدرسة السياسية الاولى وتعاطي الشأن العام، واسلوب متباين في العمل والتفكير والمزاج. خاضا وجهاً لوجه اقسى اساليب الاشتباك، وعبرا بالعراقيل التي جبهتها حكومة الاشهر الـ13 ما بين عامي 2009 و2011 وصولاً الى حقبة الشغور تارة بالجلوس الى طاولة التفاوض وطوراً بالحملات المتبادلة.

على ان الرجلين اليوم، في المرحلة الجديدة، بدوا مختلفين. على الاقل وفق ما لمسه بري من لقائه رئيس الجمهورية اولاً، ثم في الاجتماع الثلاثي بعد استدعاء الحريري لابلاغه التكليف.

يلخص رئيس المجلس انطباعاته كالآتي:

1 ــــ شعر بمناخات ايجابية لدى رئيس الجمهورية في مقاربة الملفات المتراكمة لا سيما منها البيئة والنفايات والكهرباء انتهاء بقانون جديد للانتخاب. الا ان ابرز ما تناوله في اللقاء الذي سبق انضمام «كتلة التنمية والتحرير»، تأكيد بري لعون رغبته في تجاوز ما شاب علاقتهما في ما مضى، فلاقاه الرئيس بموقف مماثل هو انه هو الآخر يريد تخطي خلافاتهما السابقة كي يطويا صفحة الماضي. سرعان ما ابديا استعداد التعاون.

2 ــــ رغم اعلان الحريري في بيان قبول تكليفه عزمه على تأليف حكومة وفاق وطني، يتمسك بري بهذه الصيغة، ويقول: «في لبنان لا تصلح الا حكومة الوفاق الوطنية في كل الظروف. قبل الانتخابات النيابية وبعدها». يضيف: «سمعت مراراً انهما متفقان (عون والحريري) على حكومة وفاق وطني، وهذا يعني انها تضم الجميع ونحن من بينهم. لنرَ». الا ان بري لاحظ اصرار رئيس الجمهورية على استعجال تأليف الحكومة في اسرع وقت، وروى له عون حصيلة المكالمات الهاتفية التي تلقاها من ملوك ورؤساء عرب واجانب مهنئين بانتخابه، وفي الوقت نفسه اظهروا التعويل على انطلاق الحكم والحكومة في المرحلة الجديدة وتوفير الاستقرار الداخلي.

3 ــــ ابلغ الى عون والحريري انه ينتظر العرض الذي سيقدمانه له للانضمام الى الحكومة الجديدة، وهو يعلق مشاركته فيها في ضوء ما سيؤتى اليه به.

4 ــــ لمس رئيس المجلس اهتمام رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بوضع قانون جديد للانتخاب تمهيداً لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها. وهي اشارة ايجابية مزدوجة الى رفض الابقاء على القانون النافذ منذ عام 2008 ونفي اي نيّة بتمديد ثالث للبرلمان الحالي. لا يعتزم بري الخوض في القانون في مجلس النواب، على وفرة جدول اعمال فضفاض لديه من مشاريع واقتراحات قوانين، كون وضع قانون انتخاب مسؤولية الحكومة الجديدة التي يقتضي ان تعد مشروعاً جديداً به او تعوّل على مشروع النسبية التي كانت اعدته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، من ثم ينصرف مجلس النواب الى مناقشته، خصوصاً وانه حتى نهاية السنة الحالية في انعقاد عادي.