IMLebanon

بين الأرمن والأتراك!

كل موضوع يطرح في لبنان يواكبه الاستفزاز والتحدي والانقسام! والاسبوع الماضي كان حافلاً باحتفالات الذكرى المئوية للمجازر الارمنية. وهذه الذكرى هي الفرصة لنقول إن الشعب الارمني جبار، لم ينسَ بعد 100 عام قضيته وشهداءه، وربما يشكل مثالاً ونموذجاً، لأن معظم قضايانا وشهدائنا صاروا عند بعضهم عرضة للنسيان في أقل من 100 يوم!

فمشهد الناس في مسيرة حاشدة لإحياء الذكرى كان مشهداً رائعاً، ومشهد أحزاب الهانشاق والطاشناق والرامغفار وجميع الأرمن، مهما كان انتماؤهم الحزبي أو السياسي، يمشون جنباً الى جنب من أجل إحياء قضيتهم الأم. إنه مشهد رائع! أما المشهد النافر من جهة أخرى فكان مشهد أعلام تركيا التي رفعتها جهات في بعض الاماكن في طرابلس! نحن لا نعتبر أن لبنان يجب أن يعادي تركيا مثلاً، ولا مصلحة للبنان في معاداتها، وخصوصاً أن فئات كبيرة من اللبنانيين تتجه يومياً الى تركيا أو تعمل فيها. لكن ما نقوله انه في اليوم الذي يتذكر فيه الأرمن شهداءهم، ما معنى التحدي بهذا الشكل الاستفزازي؟ وما نفع رفع علم تركيا؟

للتذكير فقط إن الأرمن لبنانيون، ورفع علمهم في هذا اليوم طبيعي. لكن ان يرفع لبنانيون آخرون علم تركيا، فما الجدوى من ذلك؟ هل هم أتراك؟ هل مرجعيات طرابلس الدينية وجمعياتها هي تركية؟ وما يلفت في بيان إحدى الجمعيات أنها تطالب بتعطيل المدارس كل أيام ذكرى المذابح التي ارتكبت في الاقاليم العربية والاسلامية. كل ما لا يعني لبنان لا يعني اللبنانيين، والأرمن جزء من لبنان. أما إذا حصلت مجازر في مناطق مختلفة فهذا لا يعني أن الأمر نفسه.

إن التعصب الطائفي يسقط كل طرح منطقي متجرد! وإذا كان البعض يعتبرون أن ما حصل ليس مجزرة، فهذا رأيهم، لكن فليحتفظوا به للنقاشات من دون إبراز تعصب طائفي في مثل ذاك اليوم، وبتعليق أعلام لا جدوى أو هدف منها إلا شحن النفوس، فلماذا يجري تصوير مناطق معينة كأنها مناطق تعصب؟ إن في ذلك اعتداء على مناطق لبنانية أصيلة وعريقة. ولماذا تربية الأجيال بهذه الطريقة وإعطاء الشباب هذه الأمثلة؟ إن دور المرجعيات والجمعيات كافة هو تعليم المحبة والحوار وتقبّل الآخر، حتى لو كان صاحب رأي مخالف أو وجهة نظر مخالفة، فيمكن أن تقال بالطريقة المناسبة وفي الظرف المناسب وبطريقة لائقة وحوارية. إن ما يعنينا نحن اللبنانيين في هذا الموضوع هو ألا تقوم معادلة التربية على علم في وجه علم وساحة في مواجهة ساحة وطائفة في مقابل طائفة.

يجب أن نخرج جميعاً من هذه المعادلة المدمرة لأن هذا المشهد لا يشبه لبنان!