IMLebanon

بين سمير وسامي.. تنظيم الخلاف

كان فريد مكاري أكثر من عبّر بوضوح عن الأثقال التي يتحملها «تيار المستقبل» جراء حروب المزايدة التي يمارسها المسيحيون بين بعضهم البعض. قال الرجل بالحرف الواحد إنّ «الفاعلية السياسية كان يمكن أن تكون أقوى لو كنا شركاء مع طرف لديه ثقة أكبر بشعبيته، وبأن الآخرين سيلحقون به، بدلاً من أن يلحق هو بالآخرين».

إذاً هي الثقة المفقودة التي تجعل من حلفاء التيار «الأزرق»، أي المسيحيين، خصوماً في ما بينهم أولاً، وأسرى المزايدات مع بقية أبناء كنيستهم، ثانياً. فلا يبلع الكتائبيون، على سبيل المثال، إشاعة تقول إنّ سامي الجميل ترافق وسمير جعجع في الرحلة إلى السعودية، ولا يهضمون خبراً غير مؤكد عن لقاء ثلاثــيّ جمعهــما مـع الأمير سـعود الفيصل. فيعاجلون بالتوضيح والتنقيح والتصحيح.

هو الخوف نفسه الذي دفع بـ«الكتائب» و«القوات اللبنانية» إلى أحضان نبذ التمديد بعدما أحنيا رأسيهما له في المرة الأولى، لأن ميشال عون أشهر سيف الممانعة، ولا بد من مزاركته. وهو الخوف ذاته الذي حمل نائب رئيس مجلس النواب إلى الشكوى العلنية على حائط الحلفاء، علّه يهزّ وجدانهم ويعيدهم إلى بيت التمديد.

ولهذا أيضاً، نُسجت «الأساطير» حول مفاعيل الزيارتين الملكيتين لسمير وسامي إلى الديوان السعودي، ودلالاتهما، وأبعادهما المحلية والإقليمية، والرسائل المبطنة التي حملتهما، وما إلى ذلك من قطَب لا يعرفها إلا أصحاب العلاقة ومن يدور في فلكيهما.

هنا، يتساوى الشكل مع المضمون. بمعنى أنّ ما جرى في لقاءات الرياض لا يقل أهمية عن «هندام» الزيارة. أن يكون ضيف المملكة سامي وليس والده، فتلك خطوة لها مغزاها الذي يقرأه جيداً أهل معراب قبل رفاقهم في الصيفي. إذ من الطبيعي أن يحظى رئيس جمهورية سابق بامتياز الزيارة إلى السعودية، ولكن أن يكون المدعو من رتبة نائب.. فللأمر حساباته الأخرى التي يفترض أن يكون «سيد معراب» قد رصدها جيداً وفهم معانيها: لم يعد «الحكيم» هو الممثل الأوحد والوحيد للمسيحيين في الخندق الآذاري وصاحب امتياز الخط المباشر مع الديوان الملكي. صار له شريك!

هنا، ومن دون أن يتأكد أحد من حقيقة الأمر، أثيرت الشكوك حول بصمة ما لسعد الحريري بهذا التحوّل في موقف الرياض. قد يكون الكوب طاف، وهذه أولى زخاته.

طبعاً، ما كان هذا الانطباع ليحصل لولا التراكمات الزائدة التي أثقلت العلاقة بين «القوات اللبنانية» و«تيار المستقبل» منذ أن انسل اقتراح «اللقاء الأرثوذكسي» بينهما، وتمرّدت «القوات» على قرار المشاركة في حكومة تمام سلام، لا بل زايدت على «مبدئية» حلفائها.. وها هي اليوم ترذل التمديد.

في أكثر من جلسة مقفلة، سُمع كلام على ألسنة «حريريين» مفاده أنّ بيت الوسط هو من أعاد سمير جعجع إلى الحرية، له الفضل في ذلك، وهو الذي رفع الألغام عن طريقه إلى أرض السعودية، وعبّد الدرب أمامه. ويفترض بالنتيجة أنّ يكون الرجل «حليفاً مطيعاً» في السراء والضراء.

قد يُقال هنا إنّ «الكتائب» لم تكن أفضل من غيرها في انحرافها المستمر، وتسميه تمايزاً عن بقية حلفائها. هذا صحيح، لكن «المستقبليين» يقرون أنّه منذ عودة «الابن الضال» إلى بيت أبيه الكتائبي في العام 2007، وهــم يواجهـــون معضلة إقناع الشاب بما يعملون له. حتى والده أمين الجميل ينفض حيناً يديه من «عناد» نجله. ولذا كانـــوا يمارســــون كل محاولات ترغيـــبه وترهيبه من خلال المسؤولين الكتائبيين الذين يمونون عليه. أما جعجع فكان على يمينـهم، قبــل الانتــقال فجــأة إلى يســارهم.

بتقدير رفاقه الآذاريين، فإنّ ثقة «الحكيم» الزائدة بالنفس هي التي تملي عليه هذا الخط المتعرج في التعاطي مع «المستقبل»، بعدما ضمن «ظهره السعودي»، أي العربي – السني الذي كان خاصرته الرخوة، صار بإمكانه أن يتدلل على حلفائه.

مع أنّ أزمة «الأرثوذوكسي» ما كانت لتحصل، وفق الآذاريين، لو أن فؤاد السنيورة الذي كان مكلفاً بالملف، قد أداره بشكل صحيح يحفظ حقوق «رفاقه» المسيحيين، لكن الرجل تعمد المماطلة والتسويف، لأنه كان يراهن على بقاء «الستين» حياً يرزق، فيترك لـ«المستقبل» قبضته الحديدية على رقاب حلفائه قبل أبناء طائفته.

كل هذه النقاط السوداء في سجل العلاقة بين بكفيا ومعراب، غير قادرة على فرط طوق المصلحة المشتركة التي تجمعهما. طالما أنّ العماد ميشال عون لا يزال بينهما خصماً واحداً، فإنّ الجرة لن تنكسر بين «القوات» و«الكتائب»، وستبقى بقعة التوتر محاصرة ومُطبق عليها بكاتم للصوت.. أما بعد ذلك، فصفحة جديدة مغايرة كلياً.

وحتى ذلك الوقت، لا يزال التنسيق بحده الأدنى قائم بين الحزبين، وعلى مستوى القطاعات وبعض المسؤولين المتحمسين للُحمة «الشقيقين». وهكذا تواجه «القوات» أزمة خدمات حكومية، وما يصلها لا يضاهي ما كانت تحصل عليه في فترات سابقة، حيث يحرص أشرف ريفي وسمير مقبل، على سبيل المثال، على تلبية طلباتها، بينما بقية الحلفاء فيديرون الأذن الطرشاء.

بهذا المعنى، أن يقصد سامي الجميل معراب للتشاور مع قائدها في هواجس المسيحيين ومخاطر «تنين التغيير» الذي يلتهم أخضر المنطقة ويابسها، لا يعني إلا أنّ الرجلين متفقان على تنظيم خلافهما لا أكثر.. وربما أقل.