IMLebanon

بين التلّي والعبسي

«السوري إطفائي مولع بإشعال الحرائق»

(فخامة الرئيس العماد ميشال عون)

إنه سيناريو مكرّر إلى حدّ الملل، ولكنه فعّال لدرجة أنه في كل مرة ينجح، إنه مبدأ دفع الناس للإختيار بين شرّين على أساس ما هو أهونهما.

الأسوأ هو عندما تكون مواجهة الشر المستطير بالشر الاقل استطاراً!

وبالتالي فإن الشرّ المطلق يسعى لخلق شرّ أكثر خطورة منه لتحقيق شيئين، الأول هو غض النظر عن شره، والثاني ليصبح شريكاً منطقياً في المواجهة مع الشر الذي يأتي ليحتل المرتبة الأولى. ومع الوقت، ينسى الناس الشر الأساسي، فيعود مع بعض مساحيق التجميل إلى ساحة الفاعلين، ويغض العالم النظر عن جرائمه استناداً إلى عامل تقادم الزمن!

قصة منظومة الممانعة من إيران إلى العراق إلى سورية، أصبحت مثلاً يحتذى به باتقان فنون هذه اللعبة. وحسبما أظن، فإن مبتدع هذا المنهاج كان الأسد الوالد، ومن كان عنده ذاكرة نقية، و«عاش ستين حولاً ولم يهرم»، يعلم كيف ساهم الأسد الوالد في إذكاء نيران حرب لبنان منذ سنة ١٩٧٣ ليصل إلى سنة ١٩٧٦ فيصبح الحل الوحيد الممكن لوقف شر الموت الداهم في حربنا المعتوهة في لبنان. ومن له ذاكرة نقية بإمكانه مراجعة الفصول الدقيقة والمستجدات شبه اليومية ليتأكد مما أقوله.

وحتى عندما أصبح وجود نظام الأسد أمراً واقعاً في لبنان، وإن كان تحت شعار ضروري ومؤقت، فقد سعى لإلغاء عبارة المؤقت من خلال جعل وجوده ضرورة دائمة عبر إشعال الحروب المتعددة، والدخول في أحلاف وعلاقات خارج المألوف لضمان هذا الوجود.

من منا يتذكر كيف كانت منظمات قريبة من حكم الاسد تقوم بخطف وتهديد مصالح دول أجنبية وعربية، لتأتي الحلول في قصر الاسد، وتجبر الضحايا على شكره؟

مَن الذي يذكر أنه في يوم خرج جيشه مدحوراً من بيروت سنة ١٩٨٢ كيف دفع العصابات المسلحة للتقاتل في شوارع المدينة، ودفع الناس لرجاء الأسد بأن يعيد جيشه إلى العاصمة المنكوبة بحرب العلمين بين حليفين لم ينفصلا يوماً.

ومن يذكر كيف دخل نظام الأسد في حلف مع «الإمبريالية الأمريكية» في حرب عاصفة الصحراء لضرب صدام حسين، وأخذ مقابل ذلك تفويضاً جديداً في لبنان.

لكن قضية الإرهاب التكفيري، أو ما يدعونه اليوم «التطرف العنيف»، فقد أتى مع عهد الأسد الإبن، ويكفي أن نتذكر كيف تُركت مجموعة الضنية للتجمع سنة ٢٠٠٠ تحت أنظار المخابرات المنتشرة في كل مصطبة، وتترك الإرهابيين للوصول والإعتداء على القرى المسيحية، كل ذلك ليذكر العالم من جديد أن شر التطرف أكبر من شر منظومة الفساد والتسلط.

ولا أظن أنه كان من قبيل الصدفة في تلك الأيام، أن تتلقف إيران هذا المنهاج، وتسعى أيضاً لتصبح شريكاً في مواجهة القاعدة قبيل وبعد اعتداءات ١١ سبتمبر ٢٠٠١. والواقع أن منظري السياسة الأمريكية طرحوا يومها مبدأ التعاون مع إيران تحت شعار الشر الذي نعرفه ويمكن التفاوض معه، أفضل من الشر المجهول، وكان المقصود يومها أن شر التطرف الشيعي مضبوط بحكم التفاهمات الدولية، أما التطرف السني فلا دولة له يمكن أن تقوم بمساومات! ومن بعدها تكشفت الكثير من المعطيات عن تسهيلات سرية منحتها إيران للقاعدة.

ما لنا ولكل ذلك الآن، فالعنوان بسيط يتحدث عن العبسي والتلي!

فوجوه الشبه واضحة إلى حد التطابق، فالإثنان يتشابهان بالمظهر، وهو المظهر ذاته الذي أصبح شعار التطرف العنيف في أذهان البشر.

والإثنان تخرجا من سجون النظام السوري، وعندما خرجا كان خروجهما قبل أوانه ولأسباب غامضة، وبعد خروجهما مباشرةً أصبحا محط الإهتمام الإعلامي وألّفا مجموعة مسلحة تحمل في طياتها برنامج منظمة القاعدة. والإثنان أصبحا فجأة في لبنان وافتتحا المواجهة باعتداء على الجيش اللبناني، وارتكبا جرائم موصوفة بحق أفراده. والإثنان احتلا منطقة ذات طابع سني.

الفرق الوحيد هو أن العبسي واجهه الجيش اللبناني في معركة طويلة ومكلفة، مع أن حسن نصر الله كان قد وضع خطوطاً حمراً لمخيم البارد.

أما التلي فقد كان من حصة «حزب الله» في مواجهة أقل ما يمكن التعليق عليها هو أنها مشبوهة في تفاصيلها ونتائجها وفي الضجة الإعلامية حولها.

لكن العبسي والتلي اختفيا عن الأنظار فجأة، ليغيب معهما الدور الذي أوكلا به من قبل منظومة شر تخلق الشرور لتسويغ وجودها! فهل نتعلم؟

(*) عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»