IMLebanon

بين «سيزر» السوري و«سيدر» اللبناني

              

بقدر ما تشكل زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو محطة سياسية مهمة قد تكون فاصلة بين مرحلة وأخرى، فإن التنسيق العسكري الإيراني-السوري-العراقي الذي يأخذ أشكالاً جديدة بدءاً من اجتماع رؤساء أركان الجيوش الثلاثة في دمشق الأسبوع الماضي، قد يشكل محطة سياسية وعسكرية مهمة في المواجهة الأميركية الإيرانية المتصاعدة.

 

 

وبموازاة ضعف الخطوط الخلفية للتفاوض التي لاحت إمكانات تجديدها في الأشهر الماضية بين طهران وواشنطن عبر القناة العُمانية، سعيا لخفض حدة المواجهة، بدا أن تجميع الأوراق من قبل كل منهما يمكن أن يأخذ تلك المواجهة إلى أشكال عسكرية يصعب التكهن بمساراتها.

 

محطتا زيارة بومبيو إلى المنطقة، والتنسيق الإيراني-السوري العراقي لفتح معبر «البوكمال» بين إيران والعراق وسورية، لأهداف عسكرية، قد تكون فاصلة بين الاتجاه نحو التفاوض، والاتجاه نحو المواجهة العسكرية. وإذا كان صحيحا أن السعي الأميركي من أجل تشكيل تحالف دولي شرق أوسطي ضد تمدد إيران في المنطقة على شكل «ناتو عربي» لا يبدو سريع الولادة لأسباب عدة، فإن الإصرار الأميركي على أوسع تحالف لتشديد الضغوط على إيران يترسخ، بدليل انضمام الدول الأوروبية المترددة حيال هذا التحالف، إلى المزيد من العقوبات على أذرع إيران، وفي طليعتها «حزب الله»، وضد النظام السوري الذي يشكل السند الرئيسي الآن للدور الإيراني الإقليمي، ومنها القوانين الأوروبية الصادرة تباعاً والتي تحظر تخصيص أموال لإعادة إعمار سورية في ظل نظام الأسد، كم جاء في البيان الأميركي البريطاني-الفرنسي الألماني قبل أيام.

 

هناك عاملان باتا يخفضان من قدرة طهران على تجميع الأوراق، سواء كان ذلك من أجل التفاوض الذي يستبعده القادة الإيرانيون في مواقفهم كافة، أم في التحضير لمواجهة عسكرية مع إسرائيل في الميدان السوري الذي يزداد تعقيدا مع الجموح الإيراني. الأول هو الانضمام الأوروبي إلى التشدد حيال دور طهران الإقليمي، ولا سيما في سورية، على رغم التمايز بين أوروبا وواشنطن حول انسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي. والثاني هو التوتر الإيراني-الروسي، الذي يوازيه توتر روسي مع نظام بشار الأسد بسبب قرار الأخير الانحياز الكامل إلى الجانب الإيراني بعد أن حسم تأرجحه السابق بين الدولتين النافذتين والمتنافستين في الميدان السوري. فموسكو لا تحتمل القدر الذي ذهب إليه النظام بتسليمه بغلبة دور طهران على دورها في بلاد الشام. ومظاهر الاصطدام الأمني والتنافس الاقتصادي بين الدولتين على الساحة السورية تتكاثر، من زيارة الأسد إلى إيران، وصولا إلى تسهيله حصول الحرس الثوري على عقد إدارة مرفأ اللاذقية لاستخدامه من أجل الالتفاف على العقوبات، وتنفيذ العقد المؤجل لحصول طهران على امتياز إنشاء شبكة «ج. إس. إم» للهاتف الخلوي، وتسهيلات استخراج الفوسفات، وغيرها من العقود التي كانت مجمدة نتيجة التردد السوري في منح طهران الامتيازات. ويرسم التوتر الروسي الإيراني خط تقاطع في المصالح بين موسكو وواشنطن، فيما الأخيرة تجهد لتصعيد الضغوط على إيران، بدلا من أن يكون التفاهم الإيراني-الروسي وسيلة لخفض هذه الضغوط.

 

وعلى رغم المكابرة الإيرانية حيال العقوبات، تدرك موسكو أن في إيران مئات الشركات علّقت انتاجها وسرّحت آلاف العمّال، في بلاد الفرس، نظراً إلى مناخ أعمال غير موات، بسبب هذه العقوبات. وهي تعرف مدى نجاح الضغوط على نظام الأسد بحجة أن «سورية مدينة لإيران»، كما قال رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشة، قبل أسابيع، متوقعاً أن تسعى الحكومة إلى استردادها، في مواجهة قلة السيولة والأزمة المعيشية لديها. وطهران ترى أنه علی رغم أن العدید من الدول تدعم سوریة، إلا أن أیا منها لم يتمكن من الحلول مكانها في تقديم هذا الدعم. وهذا يعني استخفافا بالقوة العسكرية الروسية منذ 2015، التي أنقذت إيران والنظام، في سورية، ويعني أيضا أن على النظام أن يدفع ثمن ما استثمره الحرس الثوري لإنقاذه له، وليس للكرملين.

 

هذان العاملان إن دلاً على شيء فعلى أن هامش الحركة أخذ يضيق أمام طهران بعدما بات الاقتصاد مشكلتها، كما قال المرشد قبل يومين. وإذا كان الانحياز الكامل للأسد إليها يساعدها في خفض الأضرار الاقتصادية، فإن قانون «سيزر» للعقوبات على أي جهة توظف أموالا للإعمار في سورية، يضيّق الخناق حتى على الدول التي استثنيت من العقوبات عليها. مقابل سعيها للإفادة من لبنان لاستكمال التفافها على العقوبات، فإن بومبيو يريد من الأخير أن «يمتثل» بالكامل للعقوبات وأن «يتعاون» في الكشف عن محاولات كهذه. فإبداء الحرص على الاستقرار فيه من واشنطن والدول الأوروبية والعربية، هو المقابل لهذين الامتثال والتعاون، بعنوان «سيدر» اللبناني لإنقاذ الاقتصاد.

 

بات على لبنان أن يقرأ التحولات وتعقيداتها بدقة، ليس فقط مع زيارة بومبيو بل أيضاً مع زيارة الرئيس ميشال عون إلى موسكو.