IMLebanon

مزايدة مواقف المطار: «فبركات» متواصلة

لا تزال مزايدة إدارة واستثمار مواقف مطار بيروت الدولي تدور في فلك «الفبركات» التي تسعى إلى منح شركة ما أفضلية على شركات أخرى. في المرحلة الأولى، فُبرك الأمر على قياس شركة VIP، إلا أنه اليوم يفبرك على قياس شركة محددة. من هو الذي يفبرك؟

في 18 أيار الماضي صدرت نتائج مزايدة تلزيم «إدارة واستثمار مواقف مطار بيروت». الفائز كان معروفاً مسبقاً، أي شركة VIP التي يملكها شادي الهبر. يُعتقد، على نطاق واسع، أن علاقة الهبر بنجل وزير الأشغال محمد زعيتر هي أحد عناصر الفوز، وأن هذا الأمر كان مرصوداً من أكثر من جهة، بينها شركة الخرافي التي استبعدت عن المزايدة.

ما حصل، وفق مصادر معنية، هو أن الرئيس نبيه بري اطلع على نتائج المزايدة وعلى الطريقة التي فازت بها شركة VIP، سواء التسهيلات التي حصلت عليها أثناء فضّ العروض، أو «تفصيل» دفتر الشروط على قياسها، فاستدعى مدير المناقصات جان العليّة ووزير الأشغال غازي زعيتر واستمع إليهما.

العليّة أبلغ برّي بأنه كان قد وضع أكثر من 40 ملاحظة على دفتر الشروط السابق الذي يحدّ من التنافسية، لكن وزارة الأشغال لم تتجاوب مع العديد من هذه الملاحظات، ولا سيما الجوهرية. وأقرّ العليّة أمام بري بأن في المزايدة الكثير من العيوب لجهة بنود دفتر الشروط وتوزيع العلامات وفضّ العروض والاستبعاد الشكلي وغياب المنافسة (…)، وهو ما يستدعي رفض نتائجها. توافرت لبرّي القناعة بأن المزايدة «مفبركة»، فطلب من العليّة السير برفض نتائج المناقصة وإعادة صياغة شروط التلزيم بما يوفّر المنافسة التي يتحدّث عنها. برّي أبلغ زواره من أصحاب الشركات أنه لن يقبل هذه الفبركات، ولم يلمسوا منه أي اتجاه للتفصيل على قياس شركة ثانية.

كان يفترض أن يترجم كلام برّي عملياً فلا تكون هناك أي «فبركة»

في 20 أيار اقترح العليّة على وزير الأشغال العامة رفض نتيجة التلزيم بسبب عدم توافر المنافسة، وإعادة دراسة دفتر الشروط من أجل تحقيق هذه الغاية، أي المنافسة والمساواة بين العارضين. العليّة استند إلى الرفض الشكلي لعرضين من أصل ستة عروض، وإلى رفض عرض ثالث بسبب عدم إبراز شهادة أيزو مصدقة وفقاً للأصول، علماً بأنه يمكن التحقق من صحة إفادة الأيزو من خلال معاينة الموقع الإلكتروني للجهة المانحة لهذه الأفادة. كذلك، تبيّن أن هناك شركتين نالتا علامة صفر على إفادة الخبرة، ما أدّى إلى فوز شركة واحدة بسهولة وبلا منافسة. لذا، إن «إجراءات هذه المزايدة خالفت قواعد المنافسة التي تحكم الصفقات العمومية، وبالتالي مشوبة بعيوب جوهرية لا يمكن التغاضي عنها».

هكذا بدأت رحلة إعادة صياغة دفتر الشروط. كان يفترض أن يترجم كلام برّي عملياً، فلا تكون هناك أي «فبركة»، وهذا يتطلب إلغاء العناصر التي تحدّ من المنافسة وإجراء تعديلات على توزيع العلامات. إلا أنه تبيّن لاحقاً أن اللعبة لم تنتقل إلى إدارة المناقصات التي لا تملك صلاحية التعديل، بل تقترح التعديلات على وزير الأشغال الذي يمكنه أن يأخذ بها أو يهملها، وبالتالي بقي الأمر بيد وسطاء يعملون على خطّ وزارة الأشغال ــ إدارة المناقصات.

هكذا بدت التعديلات التي فرضتها إدارة المناقصات، أقرب إلى تسوية منها إلى عملية إصلاح، إذ تمكنت من تقسيم العلامات بين حدّ أدنى وحدّ أقصى. وبات الشق الفني في دفتر الشروط ينصّ على الآتي:

ــ شهادة أيزو 9001: 50 نقطة للشهادة العامة و100 نقطة لشهادة الجودة المتخصصة.

ــ خبرة إدارة مواقف للسيارات في مطار دولي: صفر إذا كانت الخبرة أقل من سنتين، 50 نقطة للخبرة التي تزيد على سنتين، 100 نقطة للخبرة التي تزيد على 4 سنوات، و150 نقطة للخبرة التي تزيد على 7 سنوات.

ــ حجم الأعمال: صفر إن كان متوسط حجم الأعمال أقل من 3 مليارات ليرة، 40 نقطة إذا كان أكثر من 3 مليارات وأقل من 6 مليارات، و100 نقطة إذا كان أكثر من 9 مليارات.

ــ رخصة فاليه باركينغ: 50 نقطة.

الاستثمار في المواقف لا يقلّ عن 500 ألف دولار: بين 50 نقطة و100 نقطة.

في السابق كانت العلامات الـ1000 تتوزّع 50% على الشقّ الفني (500 نقطة)، و50% على الشقّ المالي. ما حصل هو إعادة توزيع بسيطة للعلامات بعد تقسيمها إلى شطور، إذ أصبح الشق الفني يستحوذ على 45% (450 نقطة)، والشقّ المالي على 55% (550 نقطة).

بعض الشركات تقول إن «تفصيل الشروط يجرى على قياس شركة الخرافي التي تدعي أنها استبعدت في المناقصة السابقة لأسباب شكلية، لا لأسباب فنية ولا لأسباب مالية. شركة الخرافي كانت تشغّل مواقف مطار بيروت منذ 16 عاماً، ولديها الخبرة الكافية لتعلم نسبة الربحية السنوية وإمكانية رفع قيمة المزايدة إلى أعلى مستوى، ولا تكفيها هذه الأفضلية، بل لديها الشروط الفنية أيضاً. لعلّ هذه الشروط تنطبق أيضاً على الشركة التي فازت في المزايدة الأولى أيضاً». هل يعني ذلك أن المنافسة باتت مفتوحة أم لا تزال محدودة؟ هل يحتاج تشغيل مواقف المطار إلى خبرة دولية؟ في أي مطار في العالم تقدّم إدارة مواقف السيارات خدمة ركن السيارات (فاليه باركينغ)؟

في المزايدة السابقة كان الأمر مفضوحاً جداً، ولم تلغ التعديلات على دفتر الشروط هذه الفضيحة. إدارة مواقف المطار لا تتطلب خبرة دولية، أما العنصر الأساسي في هذه المزايدة، فهو المبالغ التي ستحصلها خزينة الدولة نتيجة التلزيم، وبالتالي كان الأجدى أن يكون أكثر من 70% من العلامة على قيمة المزايدة من أجل تحقيق مبلغ أكبر للخزينة، وأن تكون الشروط الفنية على قياس طبيعة التلزيم لتحفيز المنافسة.

المعروف أن رفع درجة صعوبة الشروط الفنية أو خفضها يحدّان من المنافسة، إذ إن الشركات قادرة على التمييز بسهولة بين الشروط الملائمة للمنافسة وبين الشروط «المفبركة».