IMLebanon

الاحتكار هو الأداة الأساسية للفوضى المتفشية في لبنان… والحل بضرب هذا الاحتكار

 

دولار السوق السوداء تحت نيران حكومة ميقاتي والتفاوض مع الصندوق مسألة وقت

 

بلغ سعر دولار السوق السوداء عتبة الـ 14000 ليرة لبنانية أمس البارحة (حتى كتابة هذه الأسطر)، مسجّلا بذلك انخفاضًا إضافيًا بقيمة ألفي ليرة لبنانية عما كان عليه في اليومين الماضيين. أسباب هذا الانخفاض أصبحت معروفة من الجميع وهي سياسية بامتياز ولكن أيضًا احتكارية، وتهريب بالإضافة إلى النشاط الاقتصادي الذي يُشكّل جزءا بسيطا في سعر الصرف هذا.

 

الأخبار الإيجابية الآتية من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وعلى رأسها الدعم الدولي الذي أصبحت معالمه واضحة بين دعم أميركي وفرنسي وإيراني، بالإضافة إلى الدعم الداخلي الآتي من المكونات السياسية الأساسية. وقد تُرجمت هذه الأخبار الإيجابية بسرعة استكمال البيان الوزاري الذي سجّل إنجازه رقمًا قياسيًا بعد ثلاثة جلسات للجنة المولجة إعداد البيان. ومن المتوقّع أن يتمّ إقرار هذا البيان اليوم في اجتماع لمجلس الوزراء في قصر بعبدا حيث سيتمّ إنهاء بعض النقاط العالقة على مثال إعادة هيكلة القطاع المصرفي والتي تعني بشكل قانوني إفلاس المصارف وهو ما يُشكّل خطرا على أموال المودعين.

 

ولعل للمحتوى المسرّب عن البيان الوزاري دور أساسي في التأثير في سعر دولار السوق السوداء حيث هناك تعهد واضح من قبل حكومة ميقاتي بإجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، بالإضافة إلى إستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والتفاوض مع الدائنين بهدف إعادة هيكلة الدين العام وتقديم مشروع استقلالية القضاء وغيرها من النقاط التي تبعث على الاطمئنان في نفوس اللاعبين الاقتصاديين، وهو ما يُشكّل ضغطًا على سعر صرف الدولار في السوق السوداء الذي يراهن على التخبط السياسي للارتفاع.

 

بالطبع هناك من يقول إن هذه الأجواء الإيجابية هي نتاج الانتخابات النيابية ورغبة القوى السياسية في إعادة إنتاج نفسها. لكن المؤشرات الدولية تُشير إلى أن الدعم الدولي هو حقيقي ويذهب في اتجاه استئناف المفاوضات الأميركية – الإيرانية، وهو ما يوحي أن هذا الدعم هو حقيقي.

 

الدولار الذي وصل سعره في السوق السوداء إلى 14000 ليرة لبنانية للدولار الواحد، لم ينعكس على أسعار السلع والبضائع التي ما يزال بعضها مسعّرا على سعر صرف دولار 25 ألف ليرة للدولار الواحد! هذا الأمر يشكّل فضيحة ويستوجب مقاضاة المرتكبين الذين يمعنون في ضرب المواطن في لقمة عيشه وفي المواد الأساسية التي يستهلكها مثل المحروقات والكهرباء وغيرها.

 

تاريخيا، الاحتكار هو السمة الأساسية التي يمكن إعطاؤها للسوق اللبناني الذي هو سوق حرّ بحسب الدستور اللبناني. وإذا كان هذا الاحتكار عدو النظام الاقتصادي الحر، فإن الحكومات المتعاقبة لم تقم بأي إجراءات لمكافحة هذا الاحتكار. وبالنظر إلى هيكلية الأسعار يُظهر أن مؤشر الأسعار على الاستهلاك لم ينخفض بحسب البيانات التاريخية الصادرة عن وزارة الاقتصاد والتجارة. فحتى في ظل الانخفاض التاريخي في سعر النفط في العام 2014 حيث فقد سعر برميل النفط أكثر من 70% من قيمته ووصل إلى أقل من 30 دولارًا، نرى أن مؤشر الأسعار على الاستهلاك انخفض بنسبة 10% فقط! وهو ما يؤكّد وجود الاحتكار في لبنان بشكل مقوْنن حيث يعتمد التجار على مبدأ الكلفة الذي يُمكّنهم من الحفاظ على أسعار عالية في ظل عدم قدرة وزارة الإقتصاد والتجارة على التأكد من صحة هذه الكلفة.

 

اليوم يُقدّر الفارق بين سعر الدولار المستخدم في التجارة وبين سعر الدولار في السوق السوداء بحدود العشرة الالاف ليرة لبنانية! وهذا ما يجب على حكومة الرئيس ميقاتي العمل على مكافحته بهدف تحقيق الأمن الغذائي والاجتماعي للمواطن اللبناني. وباعتقادنا، تتمتع حكومة الرئيس ميقاتي اليوم بدعم سياسي كافٍ لضرب الاحتكار وسوْق المخالفين أمام القضاء. وبالتالي يمكن القول ان عدم محاربة الاحتكار هو جريمة في حق المواطن اللبناني، فالفوضى التي يعيشها لبنان اليوم هي الترجمة الفعلية لهذا الإحتكار الذي يعيش خارج القانون من دون رقيب أو حسيب!

 

في هذا الوقت، سيحتل الشق المالي للدولة اللبنانية حيزًا كبيرًا في عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي حيث أصبح موعد استئناف التفاوض هو مسألة وقت إذ من المتوقع أن يبدأ التفاوض خلال أسبوعين، أي بعد حصول حكومة الرئيس ميقاتي على ثقة المجلس النيابي والتي بحسب المراقبين أصبحت مضمونة.

 

الدين العام الذي قامت حكومة الرئيس حسان دياب بتحميله للقطاع المصرفي والمودعين الكبار، مُتنصّلة من أي مسؤولية عن 92 مليار دولار دين منها 57 مليار دولار أميركي بالعملة الصعبة يعود إلى الواجهة مع الضرر الكبير الذي لحق بالمودعين، فقسم كبير من هذا الدين هو من أموال المودعين الذين امتنعت حكومة دياب عن التفاوض معهم. لذا نرى أن البيان الوزاري لحكومة ميقاتي تعهد التفاوض مع المقرضين بهدف إعادة هيكلة الدين العام وهو أمر يبشّر بحل قد يكون مقبولا من الطرفين.

 

يبقى القول إن حلّ أزمة القطاع المصرفي الذي قامت الحكومة السابقة بطرح تصفير رأسماله، يمرّ إلزاميًا بحماية هذا القطاع الذي إذا أفلس يعفيه من التزاماته تجاه المودعين، وهو ما يُشكّل ضربة كبيرة لهم. وبالتالي الحلّ الأمثل هو إعادة الحياة لهذا القطاع مع محاسبة كل مرتكب إذا ما وجد، من دون المسّ بالهيكلية المؤسساتية. إعادة الحياة لهذا القطاع تمر عبر تحويل الاقتصاد النقدي إلى اقتصاد رسمي، وذلك من خلال إلزام اللاعبين الاقتصاديين استخدام القطاع المصرفي واستخدام وسائل الدفع غير النقد مع تحديد سقف لكل عملية تجارية بالكاش وإلزام استخدام البطاقات المصرفية والشيكات المصرفية، بالإضافة إلى ضخّ دولارات في هذا القطاع من مصادر خارجية.

 

يبقى التحدّي الأكبر لحكومة الرئيس ميقاتي والمتمثّل بتوحيد سعر صرف الدولار، يمرّ إلزاميًا بمحاربة التطبيقات الإلكترونية والانتباه إلى الطبقة الفقيرة التي ستعاني جراء توحيد سعر الصرف. والشق الأهم هو: أي سعر صرف ستعتمد الحكومة في موازنة العام 2022 والذي سيُحدّد سعر الصرف الرسمي مع ما يواكب هذا الرقم من قيود إن من ناحية العجز أو نسبة الفقر التي تنمع فرض الضرائب بشكلٍ كبير، وبين الضغوطات الصندوقية وغيرها؟ وهو ما يفرض على حكومة الرئيس ميقاتي استعادة العلاقات الطيبة مع الدول الخليجية بهدف فتح السوق اللبناني للاستثمارات الخليجية.