IMLebanon

المقاومة تكرّر: لا عمل في «كاريش» قبل ضمان الحقوق | «إسرائيل» تقترح بيع لبنان «حصتها» في «قانا»

 

 

الحيرة في مقاربة ملف ترسيم الحدود لا تتعلّق بتناقض في المواقف، بل في كون الوقائع الصلبة المرتبطة بالملف لا تشير الى حل قريب. وهو ما يفتح الباب أمام أسئلة مقلقة حول مستقبل الوضع الأمني على الحدود الجنوبية للبنان، وخصوصاً في ظل الدرجة العالية من «الاستنفار الأمني الصامت»، رغم امتناع كل الأطراف المعنية عن الحديث عن الموضوع.

 

المفاوضات التي خاضها الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين مع المسؤولين الإسرائيليين انتهت، بحسب المعلومات، الى «ردّ أولي» من العدو على الاقتراح اللبناني الذي نقله هوكشتين. واللافت أن «إسرائيل» لا تعتمد في نقل موقفها على الجانب الأميركي فقط، بل أيضاً على مسؤولين أوروبيين وعلى منسقة الأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتيسكا التي نقلت «ردوداً غير رسمية» الى عدد من المسؤولين في لبنان، علماً بأن السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا باشرت بإطلاع الجهات الرسمية على فحوى رسالة هوكشتين، من دون الكشف عن مضمونها، على أن يصار الى تواصل مباشر في وقت قريب بين نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب وهوكشتين للاتفاق على الخطوات المقبلة.

فحوى رد العدو

بحسب مصادر متابعة، فإن الموقف الإسرائيلي من المقترحات اللبنانية أخذ بعداً يوحي بإيجابية، لكنه تضمّن ملاحظات تعكس سلبية وتؤدي الى تعقيد الخلاف. وبحسب المصادر، فإن الموقف الإسرائيلي هو على النحو الآتي:

 

أولاً، ترحّب إسرائيل بالموقف اللبناني الموحد الذي لا يتحدث عن الخط 29 كخط تفاوضي، وترى أن هذا الجواب يسحب ملف حقل «كاريش» من التداول كمنطقة متنازع عليها. وبالتالي، ترى أن الموقف اللبناني يسمح لها بالاستمرار في خطة عملها لاستخراج النفط والغاز من هذا الحقل في أيلول المقبل.

ثانياً، تقرّ إسرائيل بأن الخط 23 يمثل نقطة مركزية في التفاوض. لكنها لا تقبل مطلب لبنان بالحصول على كامل «حقل قانا»، والتفاوض حول الخط 23 يعني أن إسرائيل تملك حقاً وحصة في الحقل، مع الإقرار بأن حصة لبنان في الحقل أكبر من حصة إسرائيل.

ثالثاً، ترى إسرائيل أن التفاوض مع لبنان لا يحتاج إلى العودة الى إطار الجلسات التي عقدت في الناقورة، وأن الوساطة يمكن أن تستمر من خلال الوسيط الأميركي، وأن المفاوضات يجب أن تركز الآن على كيفية معالجة «القسم المشترك» في حقل قانا.

رابعاً، قال المسؤولون في إسرائيل إن على المجتمع الدولي «ردع» لبنان عن تبنّي التهديدات التي أعلنها حزب الله، ومنعه من القيام بأي عمل قد يؤدي الى تضرر لبنان بقوة.

 

ماذا يعني الرد؟

بحسب جهات لبنانية وأممية متابعة للملف، تريد إسرائيل من هذا الموقف الحصول على الآتي:

أولاً، عدم ربط عمليات الاستخراج من حقل «كاريش» بنتائج المفاوضات الجارية، وأن يكون لها الحق بالقيام بما تراه مناسباً على صعيد الاستخراج من دون الحاجة الى انتظار أي موقف لبناني.

 

ثانياً، ترفض إسرائيل المقايضة الضمنية المقترحة من لبنان بأن يكون «حقل قانا» كاملاً للبنان مقابل أن يكون «حقل كاريش» كاملاً لها، وتتمسك بالفرضية التي تقول إن لها حصة في «قانا».

ثالثاً، إن إسرائيل تعود عملياً الى فكرة الوسيط الأميركي بأن هناك فرصة لعمل مشترك في المنطقة المتنازع عليها، عبر شركة عالمية يتفق عليها الطرفان، ويترك للشركة تحديد الحصص والبدء بالعمل ووضع العائدات في صندوق مستقل توزع عائداته على الجانبين.

لكن القراءة اللبنانية التي لم تتوحّد بعد بصورة نهائية، يمكن أن تكون رهن تلقي الجواب رسمياً عبر الوسيط الأميركي وليس عبر أي قنوات أخرى. إلا أن ذلك لم يمنع حصول مشاورات أولية بين الجهات المعنية، توصلت الى تفاهمات أولية تحتاج الى مزيد من البحث قبل إعلان موقف لبنان الرسمي وإبلاغه الى الأميركيين.

وبحسب المداولات، فان لبنان يرفض أي محاولة من العدو للحصول على حصة في «حقل قانا»، كما يرفض فكرة استمرار التفاوض عبر الوسيط ويصر على العودة الى اجتماعات الناقورة، كذلك لن يقبل فكرة العمل المشترك من خلال شركة عالمية نظراً إلى وجود شبهة تطبيع، وهذا الأمر سمعه الموفد الأميركي بوضوح من الرؤساء الثلاثة في زيارته الأخيرة.

وفي هذا الشأن، تبيّن أن الأميركيين – بالتشاور مع الإسرائيليين ومع عواصم أوروبية – يقترحون فكرة تمنع لبنان من إلزامية التفاوض المباشر حول حقل قانا. ويقول المقترح إنه طالما أن الحصة اللبنانية هي الأكبر، والحصة الإسرائيلية هي الأصغر، فليعمد لبنان الى شراء حصة العدو من خلال شركة عالمية تتولى عملية الاستخراج، وربما البيع أيضاً. وجرت الإشارة، هنا، الى شركة «توتال» الفرنسية بتفويضها عمليات المسح والتخمين وتحديد حصة كل طرف، ومن ثم تتولى هي شراء الحصة الإسرائيلية، على أن تحصل على كلفتها من العائدات الإجمالية لبيع المواد المستخرجة، مع تشديد من الجانب الفرنسي على أن حقل قانا يحتوي على كميات تسمح بهذا النوع من المقايضة.

 

وبحسب المعطيات، فإن الجانب الأميركي يراهن على سماه «المرونة» اللبنانية إزاء هذا العرض. وقالت المصادر إنه سبق للوسيط الأميركي أن «حث الرؤساء اللبنانيين على الاستفادة من الفرصة والمباشرة بعمليات التنقيب والاستخراج لتغطية أكلاف إعادة بناء الاقتصاد اللبناني»، وأرفق نصيحته هذه بتهديدات ضمنية من نوع «أن لبنان لا يحتمل حرباً جديدة لأن إسرائيل ستردّ بقسوة على أي هجوم وسيكون لبنان في وضع أسوأ مما هو عليه».

 

ما بعد عون؟

والواضح بالنسبة إلى الجهات المتابعة أن الجانب الأميركي الذي يسعى الى كسب الوقت في مفاوضات طويلة الأمد، إنما يعمل على أساس أن أي اتفاق لن يتم خلال ما تبقى من ولاية الرئيس ميشال عون، وأنه لن يسمح بتحقيق أي إنجاز يستفيد منه النائب جبران باسيل. ويبدو في هذا السياق أن الموقف الأميركي يتناغم مع رغبات مرجعيات وقوى لبنانية بارزة تشيع أيضاً أنه لا يُتوقّع إنجاز أي اتفاق في ظل العهد الحالي، وأن تغيير وزير الطاقة أمر ضروري للسير بالخطوات مع الأميركيين. وأن الأمر لا يتعلق بترسيم الحدود فقط، بل يشمل ملف استجرار الطاقة والغاز من الأردن ومصر.

ويعمل الأميركيون على الترويج لدى قوى سياسية لبنانية بضرورة السير في هذه الفكرة، وقد لا يتأخر الوقت حتى تنطلق في لبنان جوقة تدعو الى «الواقعية والسير بهذه المقترحات لتحصيل مكاسب مالية يحتاج إليها لبنان»، وسيترافق الأمر مع «حملة تهويل ضد حزب الله لمنعه من القيام بأي رد فعل في حال فشل الاتفاق».

 

ماذا عن حزب الله؟

أما بالنسبة إلى حزب الله، فإن المسؤولين المعنيين فيه يتمسكون بالموقف الذي سبق أن أعلنه الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، والذي يقول إن المقاومة تقف خلف قرار الدولة اللبنانية. لكن الحزب كان قد أوضح سابقاً، وعاد وكرر ذلك في الفترة القريبة الماضية، وأمام جهات لبنانية وخارجية، بأنه لا يمكنه القبول بأيّ حل على حساب حقوق لبنان، والأهم أن المقاومة لن تسمح للعدو بالمباشرة بعمليات الاستخراج من حقل «كاريش» قبل التوصل الى اتفاق يضمن مباشرة لبنان العمل في المنطقة العائدة له. وجاءت هذه التوضيحات رداً على ما تسرب من جانب العدو بأن «تراجع لبنان عن المطالبة بالخط 29 يعني أن حقل كاريش لم يعد منطقة متنازعاً عليها، وبالتالي يحق لإسرائيل مباشرة العمل فيها».

 

يعمل الأميركيون لتأخير أي اتفاق إلى ما بعد ولاية عون لعدم تحقيق اي انجاز يستفيد منه باسيل

 

ومع أن البعض يشير الى غموض في هذا الجانب من الملف، إلا أن ما قاله المسؤولون في حزب الله كان واضحاً، وهو ما جعل العدو يتصرف بحذر، كما أنه هو ما دفع الولايات المتحدة ودولاً أوروبية ومن حلف الأطلسي إلى القيام بخطوات عملانية لـ«ردع المقاومة» و«طمأنة» العدو. ويبدو أن حركة القطع البحرية الغربية لم تقتصر على الأميركيين، بل هناك تطور جديد يشير الى حركة قامت بها فرنسا في الأيام القليلة الماضية باتجاه ميناء حيفا، الذي يقع حقل كاريش ضمن نطاقه العسكري.

كيف قامت الخلافات حول الخط 23؟

رسم الجانب الإسرائيلي خطاً وهمياً عشوائياً حول حقلين يحتمل أن يكون قد اكتشفهما قبل عام 2009 أو خلاله، بناءً على كشوفات المسح الزلزالية التي أجراها عبر شركة «سبكتروم». أُطلق على البلوكين تسمية Alone D وAlone F قبل أن تُعدّل التسمية لاحقاً إلى البلوك 72. في الأول من آذار 2009 لُزّم البلوكان إلى شركة «نوبل إنرجي»، قبل شهرين من وضع لبنان لإحداثيات الخط 23، لكن الخط الذي رسم بمحاذاة البلوكين، لم يكن خطاً لترسيم الحدود بل لتحديد البلوكين.

في 29 نيسان 2009، وضعت اللجنة المشتركة التي شكلت بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء الرقم 107/2008 تاريخ 30/12/2008 الإحداثيات الجغرافية للخط 23، ما يعني أن الإحداثيات الأساسية للخط كان مصدرها إسرائيلياً.

آنذاك، لم يكن «حقل قانا» مكتشفاً بعد من الجانب اللبناني، ولكن كانت لدى خبراء نفط معطيات تشير إلى احتمال وجود حقل غازي داخل البلوك الرقم 9 اللبناني، يمتد أسفل الخطوط باتجاه البلوكات الإسرائيلية المحتلة. واستند هذا التقدير إلى مسوحات ثنائية وثلاثية الأبعاد للبلوك 72 وبقية البلوكات المحاذية للحدود، بيّنت وجود مكامن مشتركة، بغض النظر عن مسار خط الحدود.

لاحقاً، مرّت شركة «نوبل إنرجي» في تعثّر مالي كبير اضطرّها إلى تأجيل التنقيب في هذا البلوك. استمرار تلكؤ الشركة الأميركية دفع بكيان الاحتلال إلى سحب الترخيص منها وإعادة طرح البلوك 72 لمناقصة جديدة. ولكن، قبل إطلاق دورة المناقصات، عام 2019، اشترت شركة «شيفرون» الأميركية العملاقة «نوبل إنرجي» بالكامل، ما أحال حق التنقيب في البلوك 72 إليها. ودفعت هذه الخطوة لبنان للتنبّه إلى احتمال أن يكون العدوّ يرسم شيئاً ما، ولا سيما أنه كان يعمل على تسريع خطواته بالتوازي مع شروع لبنان في تسريع وتيرة التلزيمات البحرية في بلوكاته. لكن، ولأسباب ادّعت إسرائيل أنها تتصل بجائحة كورونا، أرجأت إطلاق دورة التراخيص الثالثة حتى العام الجاري لتطلق بدلاً من ذلك دورة تراخيص رابعة وضعت فيها مجموعة بلوكات، وأبقت البلوك 72 خارجها، ما كرّس الاعتقاد بأن الخطوة تعود إلى رغبة في تأجيل المشكل الناشئ عن وجود الجزء الجنوبي من «حقل قانا» في هذا البلوك، وإفساحاً في المجال أمام الوساطة الأميركية.

ويزعم الجانب الإسرائيلي أن الجزء الجنوبي من «حقل قانا» يعود إليه، لأسباب عدة، منها أن الجزء المذكور يقع ضمن البلوك 72 الإسرائيلي الملزّم، والسبب الثاني والأساسي بسبب إيداع لبنان عام 2011 إحداثيات الخط 23 كحدود بحرية له لدى الأمم المتحدة عبر المرسوم 6433، ما يعني اعترافاً لبنانياً بأن جنوب الخط 23 هو منطقة سيادية إسرائيلية.

 

البلوك الرقم 9 و«توتال»

اكتشفت شركة «نوبل إنرجي» الأميركية البلوك الرقم 9 عام 2009 في عمليات المسح التي أجرتها. لاحقاً، قسّمت المنطقة إلى مساحات وبلوكات، من بينها البلوك 9. في كانون الأول 2017، أقرّت الحكومة اللبنانية منح رخصتين للتنقيب عن النفط في البلوكين 4 و9 لتحالف شركات «توتال» الفرنسية و«إيني» الإيطالية و«نوفاتك» الروسية، ما أغضب العدو الإسرائيلي الذي يعدّ المنطقة التي يقع فيها البلوك الرقم 9 متنازعاً عليها بحكم رسمه للخط الحدودي الرقم 1، ولكون لبنان رسم الخط 23، ما يعني أن مساحة هذه المنطقة البالغة 860 كيلومتراً، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال السماح بالعمل فيها.

في 29 كانون الثاني 2018، أبرمت الحكومة اللبنانية اتّفاقيّة التنقيب والإنتاج مع كونسورتيوم «توتال – إيني – نوفاتك» ونصّت على وجوب حفر بئرين على الأقلّ خلال ثلاث سنوات من تاريخ التوقيع: إحداهما في البلوك الرقم 4 والثانية في البلوك الرقم 9 . لكن «توتال» امتنعت عن تنفيذ برنامجها في البلوك الرقم 9 بحجة وجود نزاع بحري مع إسرائيل، ما قد يرتّب عليها إجراءات قانونية، علماً بأن الشركة الفرنسية نفسها بدأت الحفر في المنطقة القبرصية الخالصة بالتعاون من شركة «إيني»، وتحديداً في البلوك الرقم 6 الذي تقول تركيا إن قسمه الشمالي يقع ضمن منطقتها الاقتصادية، وبالتالي يصبح متنازعاً عليه.

 

مع انتشار جائحة كورونا، تذرّعت «توتال» بعدم قدرتها على استكمال أعمالها، لتنتهي المهلة الأولى في 27 أيار 2021، فمُدّد لها حتى 22 تشرين الأول 2022 ربطاً بقانون تمديد المهل الصادر عن الحكومة، وفي جلسة مجلس الوزراء في 5 أيار 2022 وافق مجلس الوزراء على تمديد ثان لمدة 3 سنوات تنتهي في 21 أيار 2025. حدث ذلك رغم أن معلومات جرى التداول بها عام 2020 نقلت عن السفير الفرنسي في بيروت آنذاك أن «توتال» تفضل دفع البند الجزائي على المغامرة في الاستكشاف في البلوك 9 وأن لديها نية بالانسحاب من لبنان.