IMLebanon

الموازنة وداء الثّرثرة

 

موازنة «مو..وازنة»، كأنّها جلسات تعذيب مدروس للبنانيّين، ماذا يفعل نائب بستين دقيقة ليتكلّم فيها؟ ساعة كاملة يقرف فيها المواطن اللبناني حياته من هذا «اللعي» المستمر طوال النهار، لا تكفينا حال اليأس التي يعيشها المواطن اللبناني، بل زيد عليها ما يشبه قرار إعدام المواطن اللبناني أمام الشاشة، هي أيام «مقرفة» و«محبطة»، مع أنّه لا ينقص اللبنانيين لا الإحباط  ولا الاكتئاب ـ حتى أنهم لا يملكون ثمن الدواء المناسب لهذه الأمراض!

 

حضيض سياسي، قصاص مفروض على اللبنانيين لأيام، علّها تنتهي هذه العروض الفاشلة في الحديث عن الموازنة، هذا عرض مملّ لحكومة عايبة من شدّة عجزها، والوقت المستقطع لحلّ أزمات تمنع انعقادها، واحدة من عجائب هذه الحكومة أنّ مجلس النّواب يحاكم موازنتها للعام 2019 فيما هي عاجزة عن عقد جلسة واحدة لوزرائها!! خفّفوا عنّا سماجة هذه الأيام وهذه الاستعراضات الكلامية السخيفة التي لن توصل البلاد إلى نتيجة حقيقيّة!!

 

حان الوقت لاتخاذ قرار بالاكتفاء بقناة تلفزيونية واحدة تنقل جلسات «خطابات» النواب الأشاوس المصيرية، أو حتى بعدم نقل الجلسات النيابيّة «المفتعلة» لسياسة «بزّق ولزّق»، فاللبنانيّون فيهم ما يكفيهم من القرف من الحضيض الذي بلغته الحياة السياسية في لبنان ومن مهازلها، فالحكمة تقتضي أن يعامل «الثرثارون» أنفسهم بنصيحة إلهية: «إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا!!

 

على مدى أشهر تحوّل البلد بأمّه وأبيه إلى سوق استهلاكي غطسونا في «خبريّاته» أشهر طويلة ونحن عالقون في فخّ الموازنة، واللبنانيون طوال هذه الأشهر كانوا مدركين أنهم يتعرّضون لأكبر عمليّة خداع في تاريخ «موازناتهم» وأنّ كلّ أحاديث المسؤولين اللبنانيّين وخطوط الحكومة المزعومة عن الإصلاح ومحاربة الفساد وسدّ مزاريب الهدر ونذر العفّة والتقشّف ليست أكثر من ذرّ للرّماد في عيون «سيدر» ظنّاً منهم أنّ هناك من لا يزال يصدّق الحكومات والدولة اللبنانيّة!

أخيراً وصلت الموازنة إلى المناقشة في المجلس النيابي ـ مع ملاحظة أننا لا نسمع مناقشات بل خطابات شعبويّة مملّة وهي معتادة في هكذا مناسبات يقتنصها النواب لعرض عضلاتهم ـ والمضحك ـ المبكي أننا أغلبية النواب لن تقبل بهذه الموازنة وسنجد أننا نشاهد مشهداً هزلياً معتاداً وربما لن يختلف كثيراً عن ذاك الذي شاهدناه في جلسة الثقة عندما حاضر كلّ نوّاب المجلس حتى أرباب الفساد في إعلان الحرب عليه!

 

فاجأني بالأمس النائب آلان عون وهو يتساءل عن كيف انتقلنا من «حكومة الثقة»، ثم إلى «حكومة العمل» والآن أصبحنا «حكومة اليأس»، من المفزع أن يكون البعض مصدّقاً للشعارات الحكومية اليوميّة، لأنّ الشعارات شيء والواقع شيء آخر تماماً، فهذه الموازنة هي تصوّر عاماً للحلّ ولا خريطة طريق للخروج من المشكلة»، هذه حكومة «التّرقيع» و«الهروب إلى الأمام»، وجلّ ما تريده «موازنة» مستَعْجَلَة توهم «دول سيدر» بواقع لبناني وهمي، للأسف نحن نعايش أغبى حالة «استغباء» تعيشها حكومة تظنّ فيها أنّها قادرة على أن تتذاكى على دول «ذكيّة جدّاً»، وأنّها قادرة مع وصلات الثرثرة النيابية الطويلة البائسة على انتزاع تصديق النوّاب على الموازنة، للمناسبة من عادة النواب اللبنانيين أن تسفر خطاباتهم الطنانة الرنانة على منح الثقة لحكومات فاشلة، والتصديق على موازنات أمضوا أياماً في انتقادها!