IMLebanon

أما آن لهذا الليل أن ينجلي؟

بعد ما سمّي معركة تحرير الموصل، بدأت معركة أخرى لتحرير تلعفر التي لن تكون الأخيرة، لأن ثمة مناطق أخرى في العراق لا تزال تحت قبضة التنظيم الإرهابي «داعش». ولا يعرف حتى اليوم كيف تم تحرير الموصل على وجه الدقة والتفصيل. كما لا يعلم كيف تمّ دحر الدواعش، وإلى أين لجأ من نجا منهم من القتل، هل تفرقوا وتمزق شملهم وفروا إلى الصحراء الشاسعة؟، أم تسربوا إلى المدن والقرى واندمجوا مع المواطنين العراقيين بأسلحتهم أو من دونها؟ أم أنهم أبيـدوا جميعهم على أرض المعركة فلم يبقَ منهم حي يرزق؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فلماذا لم تظهر على شاشات الفضائيات صور لهذه الحشود من الدواعش الذين لقوا حتفهم؟ ولماذا لم تظهر صور للعتاد والدبابات والمركبات التي كانوا يستخدمونها وهي محترقة أو سليمة؟ ولماذا لم يظهر حتى اليوم الأسرى من هؤلاء الدواعش ليرووا للعالم قصصَ احتلال الموصل وجوانبَ من المعركة التي شنت لتحريرها؟ وهل هناك حرب من دون أسرى؟ أم أن هذه الحرب من نوع خاص، يلفها الغموض وتحفها الأسرار؟

هذه الأسئلة التي تطرح عما سمّي معركة الموصل التي انتهت وعن معركة تلعفر التي بدأت وهي في أسبوعها الأول، تطرح أيضاً عن الحرب التي تشن منذ شهور لتحرير مدينة الرقة التي اتخذ منها التنظيم الإرهابي عاصمةً له في سورية. فلقد بدا منذ اليوم الأول لهذه المعركة، أن «داعش» محاصر في الرقة، وأن المناطق الأخرى من سورية ليس له وجود بها. ولكن بعد ذلك اتضح أنه ينتشر على مساحات واسعة داخل الأراضي السورية، وأن الرقة ليست إلا مركزاً له، وأنه لا يزال متمكناً من مركزه وواثقاً من نفسه، وأن الجهود الكبيرة التي بذلت لاستئصاله حتى الآن لم تسفر عن شيء، على رغم أن الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وإيران تشارك فيها بصفة مباشرة.

إن العالم لا يعرف على وجه الدقة، معلومات كثيرة عن هذا التنظيم الذي تقول التقارير الإخبارية أنه أبيـد في الموصل وعلى وشك أن يلقى المصير نفسَـه في تلعفر وفي الرقة أيضاً. فلماذا هذا التعتيم على هذا العدو الشرير الذي استنفر العالم كله لمحاربته من دون أن يفلح في تحقيق أهدافه؟ وكيف لا يُعلم عن مكان قياداته وخُطط تحركاته، على رغم الوسائل التكنولوجية المتاحة للدول المحاربة له والاستخبارات المتعددة التي تعمل في المنطقة؟ وإلى أي مدى ستطول المعركة لمحاربة هذا الإرهاب العنيف المخيف؟ ناهيك عن الأنواع الأخرى من الإرهاب ذات الأشكال والألوان المتعددة؟ إن العقل لا يقبل أن يعجز العالم عن القضاء المبرم على هذا الخطر المحدق بالجميع طيلة هذه الفترة التي تزيد على ثلاث سنوات من الاستنفار العالمي.

في هذه المرحلة الحرجة التي يسود فيها الغموض وانعدام اليقين على صعيد السياسة الدولية، وبينما مستشارو الرئيس الأميركي دونالد ترامب ينفضون من حوله تباعاً، مما يبعث الشك في قدرات الإدارة الأميركية على ضبط إيقاع الأحداث الجارية في الساحة الدولية – يحق للملاحظ أن يتساءل عما يجري على الأرض، وأن يشك في كثير من الأمور التي تقدم للرأي العام الدولي باعتبارها حقائق مسلماً بها، بينما هي في حاجة إلى تمحيص وتحليل وتقييم في ضوء المتغيرات المتسارعة التي تحدث في عالمنا، وخصوصاً في منطقتنا العربية.

ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر، مسألة موت زعيم التنظيم الإرهابي البغدادي. فهل قتل فعلاً كما انفردت في البداية المصادر الروسية بالخبر، أم أنه لا يزال حياً؟ وهل قتل في الموصل أم في الرقة، أم تعقبه الجيش العراقي فقتله في الصحراء الغربية؟ وإذا كان قد قتل فمن خلفه في (القيادة)، هذا إذا كانت لهذا التنظيم قيادة فعلاً، لأن كثيراً من المؤشرات تدل على أن القيادة ليست بيد التنظيم فهو يُـقاد ولا يقود، لأنه تنظيم مسيَّـر أسس على عين الاستخبارات السورية كما صرّح بذلك الصحافي الألماني كريستوف رويتر الذي نشر وثائق في جريدة «دير شبيغل» الألمانية بعد زيارات متعددة للمنطقة في السنوات الماضية، ليكون أداة في خدمة النظام، ربما بمباركة القوى الكبرى التي تهيمن على السياسة الدولية والتي لها مطامع في المنطقة العربية، بل في العالم الإسلامي.

هي أسئلة ملحّة واستفهامات حائرة، تحاصر العقول الحرّة لفهم ما يجري، ولا تطمئن إلى ما تردده وسائل الإعلام الغربية، ويسير في ركابها كثير من وسائل الإعلام العربية، من تقارير وتحليلات وشروح وتعليقات حول الأحداث الجارية لا تزيد العقل إلا إيغالاً في الحيرة وإغراقاً في الغموض، فلا توضح حقائقَ الأمور، ولا تكشف أسراراً، ولا تفك ألغازاً. فإلى متى سيظل العرب في هذه المتاهات سائرين ولثرواتهم مهدرين، ولبلدانهم مدمّرين؟ أما آن لهذا الليل البهيم أن ينجلي؟