IMLebanon

قرى جبيل الشيعية: حرب العائلات على الأحزاب

 

يتمنّى زائر كل من قريتي لاسا وعين الغويبة، ضمناً، أن لا تأتي يد الإنسان عليهما أبداً. ففي خضرتهما وهوائهما واصطفاف أشجارهما رسم لجنّة على الأرض. بالطبع لا يُرضي هذا التمني أهل القريتين اللصيقتين في قضاء جبيل اللتين فصلتا منذ سنوات قليلة، لتحصل كلّ منهما على مجلس بلدي مستقلّ يهتم بشؤونها. فالقريتان مهملتان من قبل الدولة منذ عقود، وما الرجاء إلا بعمل بلدي مثمر يأتي بالأساسيات لهما، فتستعيدان الأبناء الذين دفعهم الحرمان إلى التمركز في بيروت وضواحيها. ومع هذا تبدو القريتان الأشدّ هدوءاً بلدياً بين القرى والبلدات الشيعية الأخرى في جبيل. فعين الغويبة تنعم بالهدوء في ظلّ التوجّه إلى تزكية لائحتها التوافقية، تماماً كما قرية حجولا حيث تمّت تزكية لائحتها البلدية الوحيدة. بينما يشير أحد أبناء لاسا إلى أنها ستخوض المعركة، ولكن من دون أن تكتوي بحماوة الانتخابات، حتى بعد فشل محاولات التوافق لإعادة ترشيح رئيس البلدية الحالي عصام المقداد. وأبطالها «مرشحون اصطفّوا في لائحتين واحدة مدعومة من الأحزاب، أي حزب الله وحركة أمل، وأخرى من العائلات».

شأنها شأن لاسا، تخوض البلدات والقرى الشيعية الأخرى معركة الانتخابات تحت شعار «العائلات ضدّ الأحزاب» وإنما بحماوة أكبر، لا سيما في كل من علمات (الأكبر بين القرى) وبشتليدة. فالبلدة الصغيرة (أي بشتليدة) كانت الأولى في إعداد العدّة لمعركة ضروس. يقول أحد أبنائها إنها «ما كانت لتكون لولا تدخّل الأحزاب وأهل المال». والمعروف أن أهالي البلدة كانوا قد توافقوا في انتخابات سابقة أن تتمثل العائلات بمجلس واحد على أن يتولى رئاسته كل سنتين رئيس ممثل لأكبر عائلاتها، برق وهمدر وكنعان. هكذا حصل في الانتخابات الماضية وتداور الرؤساء ونوّابهم على مجلس واحد مجنبّين البلدة معركة انتخابية.

لكنّ هذه السنة، يُضيف المصدر، اختار ابن البلدة صادق برق أن يترأس لائحة لا تقوم على مبدأ التوافق المتعارف عليه، «وهي مدعومة من حزب الله تحديداً ومن أحد المتمولين في البلدة الذي يستخدم ماله تارة في حلّ مشكلة دين، وتارة أخرى لدفع أقساط جامعية كطريقة لشراء الأصوات». ويضيف أن مصلحة الحزب توافقت مع مصلحة المتموّل، فالأول يريد إثبات قوّته في البلدة، بينما يعمد الآخر إلى دعم لائحة «تتصرّف على هواه في حال استلمت المجلس البلدي».

ويؤكد إبن البلدة أن تأييد أهل بشتيلدة للحزب في موضوع المقاومة أمر محسوم «لكن لا يمكن لممثليه في المنطقة فرض مرشحين وتحالفات علينا، لأننا نفصل الإنماء عن السياسة. وقد لا يمثلنا في تواجهاته الإنمائية، خصوصاً وأننا نرفض ممارسات المتموّل الداعم للائحة لأن ما صرفه من أموال لشراء الأصوات كان يمكن أن يحوّل بشتليدة إلى جنّة».

بالطبع يدحض المرشّح صادق برق هذا الكلام جملة وتفصيلاً، مؤكداً أن ترشّحه أتى من باب الديمقراطية، ولسبب رفضه «المداورة بالرئاسة لأنها غير منطقية وصعبة التطبيق على الأرض وتؤخر في عجلة العمل البلدي». وهو يستنكر الكلام الذي يحاك عن لائحته، مؤكداً أنها منبثقة من الأهالي وأنه ما من متموّل يدعمها، ليضع الكلام هنا في معرض التراشق الانتخابي.

ويشبه الوضع في علمات وضع البلدة الصغيرة مع الفارق أن فيها ثلاث لوائح يرأس كل منها شخص من آل عوّاد العائلة الأكبر، جرياً على العادة.

ووفق أحد أبناء البلدة، من الواضح أن اللوائح الثلاث مدعومة من الأحزاب ولو بشكل غير مباشر، «حتى أنهم يحاولون فرض مرشحين محازبين في بعضها». ويشرح أن «الحزب والحركة اجتمعا مرتين أو ثلاثاً للإتيان بلائحة واحدة لكنّهما فشلا. وكانت النتيجة ان تشكّلت ثلاث لوائح واحدة برئاسة محمد كامل عوّاد، وهو ليس حزبياً، ومدعومة من قبل حزب الله. وثانية برئاسة محمود علي حسن عوّاد مدعومة من حركة أمل، وثالثة برئاسة محمود علي دعيبس عوّاد ومدعومة من محازبين أو مؤيدين للحركة».

ويشير مصدر متابع في المنطقة أن دعم الحزب والحركة للوائح مختلفة لا يعني اختلافهما «فهناك توافقات ضمنية بينهما تتبلور في ساعات الانتخاب الأخيرة، بحيث تصبّ أصوات محازبيهم للائحة دون غيرها من ضمن توافق أشمل يجعلهما يتقاسمان ليس المقاعد، كما يظنّ البعض بل البلدات… فإن فاز الحزب في علمات يصبّ التصويت للحركة في لاسا على سبيل المثال».

وتخضع راس اسطا للوضع نفسه، إذ يبدو أن هناك كثرة لوائح، مدعومة حزبياً وغير مدعومة، لكن حتى وقت متأخر لم يكن قد أعلن عن واحدة مكتملة بعد. مثلها تعيش بلدة مشان معركتها.

هي ليست المرّة الأولى التي تخوض فيها البلدات والقرى الشيعية الانتخابات البلدية تحت شعار «العائلات ضدّ الأحزاب»، لكن على ما يبدو أن الشراسة التي كان يتمسّك بها أبناؤها لعدم تسييس المعارك ما عادت بالقوة نفسها، لا سيما وأن عدد المحازبين فيها قد ارتفع.

مع ذلك يُصرّ مصدر مقرّب من «حزب الله» أن «لا الحزب ولا الحركة بوارد خوض معارك ضدّ أبناء البلدات»، مؤكداً أن أياً منهما لم يتدخّل في تشكيل أي لائحة.