الهاجس الأساسي للدولة أن المتطلبات كثيرة والإمكانات قليلة، أو كما يقول المثل: “العين بصيرة واليد قصيرة”. هذا الهاجس كان وما زال يشكِّل هلعاً لخزينة الدولة التي كانت تنخرها الثقوب، فتبدو في معظم الأحيان إما فارغة وإما مكسورة.
هذا الواقع لم يكن يحتم على المعنيين سواء في السلطة الإجرائية أو في السلطة التشريعية،”شد الأحزمة” بل كانوا يتصرفون وفق قاعدة “السخاء” الذي يعود وينقلب على المستفيدين أنفسهم، فما يأخذه المواطن في اليد اليمنى، يردّه في اليد اليسرى، أضعافاً مضاعفة، فتنتفي الفائدة من “سخاء السلطة”.
حصل ذلك في بداية عهد الرئيس ميشال عون، حين أُقرت سلسلة الرتب والرواتب، فكان هذا الإقرار بداية الانهيار المالي لأنه حمّل خزينة الدولة ما لا طاقة لها على تحمله، احتُسِبَت يومها الكلفة بـ 800 مليون دولار، فيما تجاوزت عملياً المليار والمئتي مليون دولار، وأكثر من ذلك، جرت الطمأنة إلى أن تمويل السلسلة متوافر، فيما ظهر أن التمويل غير متوافر.
يتكرر السخاء. فمجلس الوزراء، في أول جلسة له بعد نيل الحكومة الثقة، أقرَّ “مشروع قانون يرمي إلى منح المتضررين من الحرب الإسرائيلية على لبنان بعض الإعفاءات من الضرائب والرسوم وإلى تعليق المهل المتعلقة بالحقوق والواجبات”. هذا الإقرار يطرح جملة من الأسئلة لئلا ينحرف مشروع القانون عن غايته الحقيقية، ومن هذه الأسئلة:
ما هو تعريف “المتضررين”؟
مَن هي الجهة التي ستُحصي “المتضررين”؟
كيف سيتم تسجيل “الضرر”؟ هل وفق مستند حسِّي؟ أو وفق تقديرات تقريبية؟
ما هي الفترة التي سينطبق عليها الإعفاء من الضرائب والرسوم؟
ماذا لو كانت هناك أضرار غير منظورة تفوق الأضرار المنظورة، فهل يُعفى أصحابها؟ أم أن المعايير لا تنطبق عليها؟
علة لبنان في الاستثناءات وفي الاستنسابية التي تصل إلى حدود المزاجية. في إحدى جلسات مجلس الوزراء، في حكومة تصريف الأعمال للرئيس نجيب ميقاتي، بتاريخ 28/5/2024 صدر قرار حمل الرقم 21/2024، وقضى بالموافقة على مشروع مرسوم يرمي إلى نقل اعتماد بقيمة /93.600.000.000/ ليرة لبنانية لتغطية دفع المساعدات لبعض ورثة الشهداء نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية بعد 7/10/2023 بناء لجدول مرفوع من قبل مجلس الجنوب”. تبيَّن لاحقاً أن الجدول وضِع “بالتكافل والتضامن” بين “حزب الله ” و”حركة أمل”، ودُفِعت المساعدات للثنائي، أما مَن هم خارج الثنائي فلم يقبضوا فلساً. فهل يكون جدول “الإعفاءات من الضرائب والرسوم”، على غرار جدول “بعض ورثة الشهداء” الذي وضعه مجلس الجنوب؟
المطلوب التنبه، صحيح أن الحكم استمرارية، لكن الشعبوية ليست كذلك.