يوم الجمعة الفائت، بكى لبنان بأسره شهداء الجيش اللبناني: بشيبه وشبابه، بنسوته ورجاله، بأطفاله وأهله، بكى لبنان أبطالاً استشهدوا ليحيا الوطن.
حزينة حتى الموت كانت بلادي يوم الجمعة الفائت.
انتصَر الجيش في الجرود ودحَر الإرهاب إلى غير رجعة إن شاء الله، غير أنّ الثمن كان غالي الكلفة ويكاد لا يُعوّض لهؤلاء الأهالي الذين أهدوا أرواح أولادهم على مذبح الوطن.
مَن المسؤول؟ أين المحاسبة؟ هل هناك من متابعة لهذه المأساة؟
أسئلة يطرحها المواطن العادي في الشارع، في البيت، وراء المكتب، هل سيكون هناك مَن مجيب؟
كلّنا أمل بالدولة التي ستعطي كلّاً حقّه وتُحدّد مسؤولية كلّ مَن كانت له صلة بهذه القضية.
أقفلت المحال ولو بصورة متفاوتة بين منطقة وأخرى، خلَت الشوارع تقريباً من المارة والسيارات لأنّ اللبنانيّين أرادوا مشاركة أسى وألم هذه الأسر المفجوعة بمآتم أولادها ولو من خلال شاشات التلفزيون من دون الاكتراث إلى التحاليل والحوارات والسّجالات السياسية، فالحدث جلل والوجع كبير يترفّع فوق التحليل والتنظير.
لم يبك أهالي الشهاء وحدهم، فلبنان بأسره كان يبكي معهم على أبطال أشرف من الشرف وأنبل من النبل.
مَن لم يجهش بالبكاء عند مشاهدة أمّ الشهيد التي استقبلت جثمان ابنها بالحنّة والبخور لتزفّه عريساً؟ مَن لم يفقد توازنه عند سماع أب الشهيد الذي قرّر ألّا يدفن ابنه إلّا بعد قضائه ليلة في البيت الذي كان سيُصبح منزلاً له ولعائلته المستقبلية؟
مَن لم يرتجف ويتذكّر مأساة عائلة الشهيد بيار بشعلاني عند وصول موكب الشهيد محمد يوسف الى المريجات وحمل والده حسين يوسف على الأكتاف؟ حسين يوسف الذي أصبح مثالاً للصّبر والكبر والوطنية من يوم الجمعة الفائت.
لكنّ قلوبنا وعقولنا لم تتخطَّ ما حصل ذاك اليوم، معظم اللبنانيّين لم يقلبوا الصفحة كما كانت تجرى العادة، معظم اللبنانيّين يكنّون احتراماً وحباً لامتناهيَين للجيش اللبناني أفراداً وضباطاً، معظم اللبنانيّين ينحنون أمام الأرزة التي تتوسّط قبّعة عسكريّينا الابطال.
معظم اللبنانيّين لن ينسوا أبطالاً استشهدوا بعزة، بكرامة، بشموخ ليبقى لبنان شامخاً أبياً عصياً على الإرهاب والإرهابيّين. ستبقى صورة هؤلاء العسكريّين الأبطال تراود أفكارنا وأحاسيسنا حتى يوم الحساب وتحديد المسؤوليات.
فيا أبطال من بلادي، أنتم لم تشرّفوا أسركم فقط، بل وكأنكم أفراد من عوائلنا. لقد أصبحتم ملائكة في السماء تحرسون لبنان من فوق، وستبقى جوامعنا وكنائسنا تبكيكم، الى أن تعودوا على غيمة بيضاء يوم الحساب وتحديد المسؤوليات.