IMLebanon

خلافات حكوميّة تُطيّر اتفاق «الترابة»: الاحتكار باقٍ

 

 

للمرة الأولى منذ إنشاء «دُويلة الترابة» في لبنان، تشعر الشركات بخطر على استدامة احتكارها. صحيح أنّ الحكومة لم تُظهر نية لتفكيك الاحتكار وإنهاء «تسلّط» الشركات الثلاث (الترابة الوطنية – إسمنت السبع، لافارج – هولسي، وسبلين) على السوق، وتبدو مُكتفية بحدود «تنظيم» أعمال الشركات، إلا أنّ هذه الأخيرة لا تُريد حتى الالتزام بـ«الشروط التخفيفية». وكما في السيناريو المُعتمد من كلّ القطاعات الاحتكارية، يُتخذ السكان رهينة تصفية حسابات، وتعزيز نفوذ. هكذا فعلت شركات الترابة ردّاً على مقاربة الحكومة للملفّ، مُقرّرة سحب الترابة من السوق، وإشعال حالة هلع بين الجمهور، أدّت بطبيعة الحال إلى تنشيط «السوق السوداء» وارتفاع الأسعار. ولكنّ الشركات لا تتصرّف فقط من موقع القوي، بل تستفيد من تشرذم الحكومة، ووجود لجنتَي تفاوض، ومشروعَي اتفاق قيد البحث، وتجاذبات بين الوزراء من جهة ورئيس الحكومة ومستشاره من جهة أخرى.

 

أول من أمس، كتب وزير الصناعة عماد حب الله على «تويتر» عن «الاحتكار وموقف رئاسة الوزراء اللذين قد يُطيحان باتفاقات أرساها خمسة وزراء… البلد لا يحتمل تعنتاً أو تجارب. يكفي». واستتبع حب الله «البيان الأول» بتغريدة ثانية يُشير فيها إلى أنّ «مشكلة الترابة لا تُحلّ إلّا بموقف من رئاسة الحكومة يحسم الأمر لمصلحة الناس… على وزارة البيئة دعوة المجلس الأعلى للمقالع والكسارات إلى اتخاذ القرارات القانونية». وتُفيد المعلومات أنّ حبّ الله يُحضّر لمؤتمر صحافي «يكشف» فيه عن كلّ تفاصيل الملفّ، في حال لم يُحلّ الأمر لدى رئاسة مجلس الوزراء.

بدا مستغرباً أن يعتمد حبّ الله لغةً تصعيدية، خصوصاً أنّه قبل نحو أسبوع عقد اجتماعاً تقرّر فيه منح مهلة إضافية لفتح المقالع، حُدّدت بـ6 أشهر، شرط أن تلتزم الشركات بنقاط عدة، أبرزها وضع خرائط التأهيل للمناطق المحفورة. فما الذي دفع الشركات إلى «شدّ الحنفية»؟

رواية وزارة الصناعة تبدأ من اللجنة الاستشارية التي تشكّلت بناءً على قرار مجلس الوزراء، وترأسها مستشار رئيس الحكومة، الياس عسّاف. «جمعت الوزارات والبيئيين والشركات… ووضعت ورقة للبتّ بها على أن توقعها الشركات. كان فيها خلل رئيسي اعترضنا عليه، وهو فرض ضريبة 6% تذهب لمصلحة منظمة غير حكومية سيتم تأسيسها لمراقبة عمل الشركات وأعمال التأهيل. إذ لا يُمكن للجنة فرض ضريبة تذهب لمصلحة جمعية ومن دون رقابة». إضافة إلى ذلك، قرّر وزير البيئة المستقيل دميانوس قطّار اعتزال العمل الوزاري، فلم يقم بواجبه بدعوة المجلس الأعلى للمقالع إلى البت في طلبات الشركات ودراسة ملاءمتها الشروط البيئية، قبل أن يصدر الترخيص النهائي عن المحافظ».

عمدت الشركات خلال هذه الفترة إلى ابتزاز السوق، عبر التحكّم بالكميات التي تضخّها، مُغطية رفع الأسعار في السوق غير الرسمية، «لأنها أرادت رفع السعر من 270 ألف ليرة للطن إلى مليون و300 ألف». علماً أنّ الحكومة «سلّمت» مع الشركات بأنّ 270 ألف ليرة «سعر غير عادل» وبحثت رفعه إلى حدود 650 ألف ليرة.

 

حصلت شركتان على ترخيص لاستيراد الترابة

 

 

رفع السعر لم يكن الهدف الأول للشركات، بل منع استيراد الترابة. ففي الأسابيع الماضية، استحصل وزير الصناعة على قرار من رئاستَي الجمهورية والحكومة بمنع تصدير الإسمنت إلا بإذن من الوزارة، وأصدر ترخيصَي استيراد لشركتين. دفع ذلك الشركات الثلاث إلى التكشير عن أنيابها، دفاعاً عمّا تعتبره مكتسبات… إلى أن اجتمع وزراء الدفاع (والخارجية والمغتربين)، الداخلية، الاقتصاد، البيئة، الصناعة وتوصلوا مع دياب إلى اتفاق على أنّه «يجب فتح المقالع حتى تتمكن الشركات من الإنتاج والبيع». بناءً على ذلك، اجتمع الوزراء الخمسة مع شركات الترابة ووضعوا «مسودة اتفاق»، ولم يتبقّ سوى التوقيع. فجأة، «ظهر» مستشار رئاسة الحكومة الياس عساف، ودعا الشركات إلى اجتماع «ووقّع معها اتفاقاً يُناقض الاتفاق المعقود مع الوزراء، ولا سيما في ما خص وضع الخرائط البيئية والتأهيل والمراقبة». واشترط رئيس الحكومة على الشركات «بيع الإسمنت والإنتاج لتنفيذ الاتفاق، فأتى الردّ عليه بوقف التوزيع». «الأخبار» حاولت التواصل مع عساف لكنه امتنع عن الردّ.

كلّ هذه «الخفّة» في التعاطي مع ملفّ حيوي، بيئياً واقتصادياً وصحياً، والخلافات بين المكوّنات الحكومية، شكّلت أرضية مناسبة للشركات الثلاث لتفرض شروطها، هي التي تتصرّف كما لو أنها شركة واحدة، من دون أن تجد من يردعها.