IMLebanon

تحديات الطريق الصعب الى الاستقلال الثالث

 

 

لبنان المحكوم بتعدد الاستقلالات حريص، عن حق، على الاحتفال بالذكرى السنوية للاستقلال الأول. وليس ذلك سوى تطبيق واقعي لاسطورة سيزيف. ففي الأسطورة تحكم الآلهة على سيزيف بحمل صخرة الى قمة الجبل، فتتدحرج قبل الوصول اليها ليعاود الرجل الصعود بها مرارا وتكرارا بعد السقوط. وفي الواقع يحصل لبنان بقوة ظروف خارجية وداخلية على استقلال لا يكتمل، فيجد نفسه يقاتل من أجل استعادته. وكل مرة من قوة.

عام ١٩٤٣ سمحت متغيرات الحرب العالمية الثانية بأن يأخذ لبنان الاستقلال من فرنسا التي أعلنت الكيان ومارست الانتداب عليه بعد متغيرات الحرب العالمية الأولى، وتصرّفت أطراف لبنانية على أساس انه استقلال عن سوريا. عام ٢٠٠٥ نزل أكثر من مليون لبناني الى ساحة الشهداء للمطالبة بانسحاب القوات العسكرية السورية، فحصلوا بمساعدة أميركا وفرنسا وقرار مجلس الأمن ١٥٥٩ على ما سمّته قوى ١٤ آذار الاستقلال الثاني عن سوريا، وتصرّف بعض قوى ٨ آذار على أساس انه انضمام لبنان الى المحور الأميركي. عام ٢٠١٧ يواجه لبنان خطر الصراع العربي – الايراني الى جانب الخطر الاسرائيلي، وهو يحتاج الى تحقيق الاستقلال الثالث. ولا أحد يعرف الوقت الذي يستغرقه مسار هذا الاستقلال، وان كانت العقبات والحواجز على الطريق ظاهرة ومحروسة بقوى وازنة.

ذلك ان الانشغال الداخلي والخارجي باستقالة الرئيس سعد الحريري كشف اننا في أزمة وطنية عميقة، لا في مجرد أزمة استقالة. وهي أزمة سابقة لملء الشغور الرئاسي وتأليف الحكومة. إذ الشغور الطويل من نتائجها، والامساك بقرار الحرب والسلم من خارج الشرعية من أسبابها. وعلى مدى عام من اخراج لبنان من مأزق الفراغ والشلل، فان الأزمة الوطنية كانت تدار بالتسوية السياسية التي لم تكن بالطبع حلا جذريا للأزمة بل فرصة للرهان على حلّ. فضلا عن أن الأزمة الوطنية مفتوحة على أخطر صراع اقليمي ودولي. ومرتبطة عمليا ب أجندات لتحقيق مشاريع تتخطى الصراع على النفوذ الى أكبر تغيير جيوسياسي في المنطقة.

وليست الدعوات الى تحييد لبنان عن صراع المحاور سوى محاولات للحفاظ على الحد الممكن من الاستقلال، والالتفات الى بناء مشروع الدولة ومعالجة قضايا الناس الملحّة. والتحييد، بصرف النظر عن الرغبات والنيّات، يصطدم بأمرين لكل منهما حساباته: أولهما ان القوى الاقليمية تلعب بتركيز على المسرح اللبناني. وثانيهما ان حزب الله يلعب بقوة على المسرح الاقليمي. وما يزيد في دقّة المواقف هو الاقتراب من الحسم النهائي في سوريا والعراق، وخوف محور من تسارع الخسائر واندفاع محور آخر في تكبير الأرباح.

وكل استقلال وأنتم بخير.