IMLebanon

في الشوف الجنبلاطي لا مكان لأحزاب مسيحية قوية والبديل إحياء مصالحة الجبل

..التيار «يلعب» على وتر حساس والقوات الى إنطلاقة… والكتائب والاحرار غائبان!

 

كانت ولا تزال منطقة الشوف النقطة الاكثر حساسية في لبنان وعلى مختلف الاصعدة، منذ ايام الراحلين كميل شمعون وكمال جنبلاط، بحيث جعلاها بفضل حنكتهما السياسية منطقة بعيدة عن السجالات السياسية، تحت عنوان « ممنوع المسّ بالعيش المشترك في الجبل»، فبقيت محايدة عن الصراعات السياسية بفضلهما، اذ كانا دائما يأخذان بعين الاعتبار العلاقة المسيحية – الدرزية في أرجاء المنطقة . لكن اليوم وضمن مراحل شهدت «طلعات ونزلات» سياسية، يمكن القول هيهات من تلك السياسة المتبعة قديماً، فمنذ غياب السياسة الشمعونية – الجنبلاطية تعاظمت الامور في المنطقة، فتوالت النكسات منها حرب الجبل المدمّرة في العام 1983، وما رافقها من تهجير وضحايا ودمار، مروراً بالمناكفات السياسية الطويلة بين الافرقاء المتواجدين، وصولاً الى إرساء مداميك المصالحة بعد الطائف من خلال مؤتمر بيت الدين، في زمن الراحل جورج سعادة حين كان رئيساً لحزب الكتائب، فحصل حينها إنفتاح مع قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي، ساهم في تبريد الأجواء السياسية، ومن ثم تم ّ توقيع الوثيقة التاريخية بين الكتائب والحزب الاشتراكي من قبل الرئيس أمين الجميّل والنائب حينها وليد جنبلاط في قصر المختارة، وصولاً الى المصالحة التاريخية في آب 2001، يوم زار البطريرك الماروني الراحل نصر الله صفير المختارة، ولاحقاً سار على دربه البطريرك بشارة الراعي، الذي تفقد الجبل في العام 2015 وتابع جولاته هناك لترسيخ المصالحة واحيائها من جديد.

 

لكن للاسف لم تحقق تلك المصالحات المتكررة اهدافها كما يجب، خصوصاً في عيون التيار الوطني الحر الذي وصفها بالهشة والمزيفة، لانها لم تؤد الى إعادة كل المسيحيين الى ديارهم تحت عناوين تداخلت ببعضها، ابرزها عدم إنصاف وزارة المهجرين في تقديم المساعدات المالية للعودة المشرّفة، التي تتطلّب إعادة بناء وترميم المنازل المهدّمة، ومن ثم الاطمئنان الكامل للوجود المسيحي، فضلاً عن خرق تلك المصالحة كل فترة عبر إحتقان الشارعين المسيحي والدرزي، بين مناصريّ التيار الوطني الحر ومناصري الحزب الاشتراكي، بسبب الهوة السياسية الكبيرة بين جنبلاط ورئيس التيار جبران باسيل، والتي اشعلتها زيارته الاخيرة الى منطقة الجبل، وما تبعها من حوادث ادت في بعض الاحيان الى سقوط ضحايا، وصلت في بعض الاحيان الى الإستعانة بعبارات حرب الجبل المخيفة، التي زرعت في طياتها الآماً طائفية لا يزال طيفها حاضراً، من خلال التذكير كل فترة بأجراس العودة، والحضور الخجول للمسيحيّين في مناطق الشوف وعاليه، تقابلها لطشات جنبلاط الدائمة للتيار الوطني الحر والعهد، ما يجعل الجبل كل فترة ساحة لتصفية الحسابات السياسية الضيقة.

 

وسط هذه المشاهد المرفوضة، ثمة اسئلة تطرح اليوم حول مدى تواجد الاحزاب المسيحية البارزة، أي التيار والقوات في منطقة العمق الجنبلاطي الرافض بطبيعة الحال أي قوة حزبية مسيحية قوية، شأنه شأن أي طرف او حزب في مكان تواجده، على الرغم من الشعارات المتكرّرة من قبل كل الاطراف، بأن المناطق اللبنانية مفتوحة امام الجميع، لكن كل هذا يبقى مغايراً على ارض الواقع.

 

فمنذ الانتخابات النيابية الاخيرة في ايار من العام 2018 يبدو ان للتيار الوطني الحر اعتبارات سياسية اخرى، بعد فوز مرشحيه وتحقيقه اختراقاً في الشوف وعاليه، ومن موقعه كحزب للعهد اراد تحقيق تموضع جديد في المنطقة، عبر إعطاء دور للمسيحيين في منطقة محدودة امامهم في الاطار السياسي، لانها تعتبر قرى جنبلاطية ممنوع تخطيّ دروبها اكثر مما هو مسموح، لكن رئيس التيار جبران باسيل اراد اللعب على الوتر الطائفي الحساس، لشدّ العصب المسيحي في البقعة الجنبلاطية كما يسّميها البعض، اذ لا احتكار لمنطقة من قبل أي سياسي فلبنان للجميع، خصوصاً انه يرى من منظاره السياسي بأن مصالحة الجبل لم تصل الى المسعى المنشود، الامر الذي ادى مراراً الى القلق المسيحي خصوصاً في البلدات المختلطة.

 

في غضون ذلك تبدي مصادر سياسية عتيقة في منطقة الشوف، املها في ان تحّل كل هذه الامور، بعد زيارة جنبلاط الاخيرة الى قصر بعبدا، لتنظيم الخلاف مع العهد والتيار الوطني الحر كما قال الاخير، وتشير الى ان للتيار شعبية في الشوف لكنها بدأت بالانحسار، بسبب الخلافات والتناحرات التي حصلت اخيراً، اذ يفضّل مناصروهم عدم الانجرار نحو الوتر الطائفي الذي يلعب عليه باسيل في الجبل، لان هذه الطرق لا توصل الى الدرب المطلوب، بل تؤدي الى ما لا يُحمد عقباه . لافتة الى ان القوات تلعب دورها اليوم بإتقان لانها تفهم على الزعيم الدرزي، وتعرف كيف تلعبها معه بحيث تتحضّر لإنطلاقة جديدة ستظهر قريباً، لان القيادة القواتية تعطي كل الدعم لمسيحييّ الجبل اقله معنوياً، من خلال التطمينات والعلاقة التي تتجه نحو التحسّن كل فترة بين جنبلاط وجعجع، وإن كانت تحمل في كواليسها بعض العدائية غير الظاهرة .

 

وفي إطار مدى تواجد الاحزاب المسيحية الاخرى في الشوف، تلفت مصادر شعبية مطلعة على سياسة المنطقة منذ عقود، الى ان الانتخابات النيابية الاخيرة أفرزت حقيقة الحضور الحزبي في المنطقة، فكان التعادل العوني- القواتي من خلال مقعدين للتيار الوطني الحر فاز بهما النائبان ماريو عون وفريد البستاني، والنائبان القواتيان جورج عدوان وانيس نصار. لكن على الصعيد الكتائبي برز الغياب الفاضح في المعركة الانتخابية النيابية الاخيرة، من خلال ترك المرشح الكتائبي المحامي جوزف عيد وحيداً في ساحة المعركة، يجهد ويسعى لوحده لإعادة الوجود الكتائبي الى الشوف، عبر علاقاته الجيدة مع كل الاطراف السياسيّين، فيما قيادة الحزب لم تكن الى جانبه ولم توليّ الاهتمام لمرشحيّ الاطراف أي الشوف وجزين والزهراني والبقاع الشمالي، كما ان السياسة المنغلقة التي يتبعها حزب الكتائب ساهمت ايضاً في رسوب مرشحيه، من خلال غياب أي تحالف سياسي، فكان ترشيحهم صورياً لا اكثر ولا اقل، لان ما يهم القيادة الحالية هو منطقة المتن فقط حيث صبّ كل الاهتمام الانتخابي هناك.

 

وعن حزب الوطنّيين الاحرار الذي لطالما برز في الدامور ودير القمر قلعة الشمعونيّين، تتابع المصادر عينها بأن رسوب كميل دوري شمعون في الانتخابات ضمن لائحة « القرار الحر» التي جمعت الكتائب والاحرار وبعض المستقلين، إعتبر بمثابة السقطة المدوية، ورأت بأن زمن هذه الاحزاب وعلى الرغم من ماضيها المدافع عن لبنان قد ولىّ، لانها لم تعرف كيف تتابع مسيرتها، بل عاشت على امجاد الماضي الذي ما لبث ان غاب وبات في غياهب النسيان، من دون ان ننكر الولاء المستمر لسياسة الرئيس الراحل شمعون، مشيرة الى ان مناصريّ الكتائب و الاحرار في الشوف توّزعوا على بقية الاحزاب المسيحية، لكن النسبة الاكبر منهم إتجهت نحو القوات اللبنانية بعد ان انتخبوا لصالحها. واعتبرت بأن أمجاد الحزبين العتيقين ليست موجودة اليوم في اذهان الجيل الصاعد، على الرغم من سعيهما للترميم لكن محاولاتهما باءت بالفشل، لان التيار والقوات يستقطبان مناصريهم بقوة .

 

وختمت هذه المصادر بالتذكير بعبارة شهيرة للرئيس شمعون: « مَن يحكم جبل لبنان يحكم لبنان» وذلك للدلالة على أهمية منطقة جبل لبنان في التركيبة اللبنانية .