حسنا فعل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، بعقد جلسة حكومية لصرف النفقات لادوية السرطان والامراض المزمنة، التي لا علاقة لها بالامور السياسية، ولا تنتقص من دور المسيحيين ولا من صلاحيات رئيس الجمهورية. هذه الاجراءات الضرورية للمواطنين اللبنانيين لا بد من تطبيقها بعيدا عن الشعبوية السياسية والطائفية، والكلام المذهبي المشحون، وكأن مرضى السرطان والكلى هم المسؤولون عن الشغور الرئاسي.
فكيف يفسر المسيحيون الذين ادانوا هذه الجلسة للمرضى الذين هم من كل الطوائف؟ ذلك ان مرض السرطان او غسيل الكلى لا يستثني مواطنين من الطائفة المسيحية، بل يشمل الجميع ولا احد «فوق رأسه خيمة». فعلا من المعيب ان تلجأ احزاب مسيحية الى كلام مسموم طائفي، لشيطنة عقد جلسة حكومية للضرورة. فكيف يؤثر اقرار نقل اعتماد من احتياطي الموازنة العامة إلى موازنة وزارة الشؤون الاجتماعية على انتخاب رئيس للجمهورية؟ وهل هي الامور الحياتية الاساسية التي تناولتها الجلسة الحكومية هي السبب في اطالة امد الشغور الرئاسي؟ ام ان المشكلة تعود الى عقم لبناني مسيحي في اتخاذ قرار لبناني بشأن الاستحقاق الرئاسي؟
نعم السبب الرئيسي لعدم وجود رئيس للجمهورية، هو ان القرار لا يتخذ في لبنان لوصول رئيس الى قصر بعبدا، حيث ان الجميع يراهن على تطورات اقليمية ودولية، وينتظر كلمة السر ان تأتي حتى يصار انتخاب رئيس للجمهورية. اذا، لماذا احداث كل هذا الضجيج عن ان قيام حكومة بدورها بالحد الادنى يرتد سلبا على صلاحيات رئيس الجمهورية؟
ان تعزيز موقع الرئاسة الاولى، يكون عبر توافق الاقطاب المسيحيين، وتحديدا الموارنة، واللجوء الى الحوار بينهم، بدلا من وضع «فيتوات» على بعضهم. ان الخلاف الدائم بين زعماء الموارنة هو الذي يسيء الى موقع الرئاسة والى صلاحياتها والى دورها. نعم ان الخلاف القائم بين القادة المسيحيين هو الذي ادى الى تهميش موقع رئاسة الجمهورية، حيث ان التشرذم بين المسيحيين لم يجعلهم قوة واحدة قادرة على ايصال صوتها في لبنان الكبير.
والحال انه من المؤسف والمحزن، ان لا يعي المسيحيون قيمة وجودهم في لبنان ، في حين بات شبه معدوم في الشرق الاوسط. وبمعنى آخر، المسيحيون في لبنان عليهم الحفاظ على وجودهم من خلال المؤسسات، وليس عبر الغرق بتجاذبات سياسية تافهة تقلص من قوة دورهم، ويصبح نيل حقوقهم مرتكزا على طوائف اخرى.
المقاربة المسيحية للموقع الرئاسي الاول، هي مقاربة لا تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات في الشرق الاوسط والخطر المحدق بهم. فكيف يواجه المسيحيون المخاطر من كل حدب وصوب؟ طبعا ليس بالاعتكاف ولا بالفيتوات ولا بالازمات التافهة التي لا تقدم ولا تؤخر، بل بالوحدة والتشاور والتنسيق في ما بينهم ليكونوا قوة لا يستطيع احدا ان يتجاوزهم.
متى يستفيق القادة المسيحيون، ويعيدون النظر بسياساتهم، فيتعاملون مع الاستحقاق الرئاسي بنضج وبعمق، وبادراك لخطورة المرحلة التي يمر بها لبنان؟