IMLebanon

لا قيمة ولا وجود للبنان من دون المسيحيين

 

منذ بداية الإستقلال، أدرك الزعيم اللبناني الراحل رياض بك الصلح، أنّ لا قيمة ولا وجود للبنان من دون المسيحيين. لذلك كان رحمه الله حريصاً على الاتفاق مع الزعيم اللبناني الوطني المسيحي بشارة الخوري، على ما يسمّى اليوم بـ»الميثاق»…

 

لقد كان هذا الميثاق اتفاقاً بين الزعيمين: المسيحي بشارة الخوري والمسلم رياض الصلح، وتبلور الاتفاق الى عرف ترسخ مع الأيام مفاده، أن يكون رئيس الجمهورية مسيحياً ورئيس المجلس النيابي شيعياً ورئيس الحكومة سنّياً.

 

وتضمّن الميثاق أيضاً ضرورة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في مجلس النواب، وعلى أن يكون قائد الجيش مسيحيّاً، وحاكم مصرف لبنان مسيحياً هو الآخر. كما تم الاتفاق على مناصب عدّة وزّعت مناصفة على المسيحيين والمسلمين.

 

وهنا دعونا نتذكّر رئيس الحكومة الأسبق تقي الدين الصلح رحمة الله عليه عام 1975، يوم ذهب الى باريس للإستشفاء، بعد مرضٍ ألَـمّ به…

 

يومذاك عاده عدد من اللبنانيين، وقالوا له: «لبنان انتهى». فردّ فوراً: «هل ما زلتم تسمعون أصوات أجراس الكنائس». أجابوا: «نعم». فقال: «طالما انكم تسمعون أصوات أجراس الكنيسة… فلبنان لم يَـمُتْ ولن يموت أبداً».

 

أما الزعيم الكبير الشهيد رفيق الحريري، رحمة الله عليه، فكان يردّد دائماً ومنذ «اتفاق الطائف»: «أوقفنا العدّ، فلا يهم كم هو عدد المسيحيين، وكم أعداد المسلمين.. فمراكز الدولة كلها ستكون مناصفة بين الطائفتين… لذلك أنصحكم بإيقاف العدّ».

 

لبنان الحضارة.. لبنان العلم… لبنان الجامعات المميّزة.. ولبنان المستشفيات الرائدة في عالم الطب. كل لبناننا هذا رهن بوجود المسيحيين فيه… أما الأسباب، فتعود لجذور تاريخية إبّان الاستعمار العثماني الذي ظلّ متحكماً بلبنان والمنطقة العربية أكثر من 500 سنة.

 

العثمانيون يومذاك، كان يجنّدون الشبان المسلمين في الجيش العثماني، ويتركون الشبان المسيحيين… ومع تدفّق الإرساليات المسيحية الفرنسية والأميركية، حيث أنْشِئَت المدارس والجامعات وأقيمت المستشفيات… فكانت الجامعة الأميركية في بيروت، منارة علم وعرفان، وكان مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت قِبلَة كل مريض وزائر، وكان مستشفى أوتيل ديو، ومار يوسف والروم… منارات مضيئة في سماء لبنان… من هنا وجدنا جيلاً مسيحياً متعلماً أكثر من جيل شباب المسلمين… لذا نقول لغبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، إنّ كلام غبطتكم الموجّه الى دولة الرئيس سعد الحريري بأنْ لا تضع المسيحيين وراء ظهرك لا يُقال وأعتذرُ مسبقاً ان يقال الكلام لرجل كسعدالدين الحريري…

 

إننا نحترم ونقدّر عالياً كلام غبطة البطريرك، لكن هذا الكلام غير مقبول، لأنه غير صحيح… فإنّ الذي تخلّى عن سعد الحريري هم وللأسف الشديد «القوات» ورئيسها سمير جعجع، وهم الذين كانوا يدّعون دائماً وأبداً حرصهم على صداقة الرئيس الحريري والتحالف معه.

 

نقطة أساسية غابت عن ذهن غبطة البطريرك، هي أنّ تشكيل الحكومة يكون مشاورة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وهنا نقول لغبطته هل يعني ذلك أنّ ميشال عون لا يمثل المسيحيين.

 

لن نقول لغبطته إنّ 22 نائباً مسيحياً أيّدوا الرئيس الحريري وعلى رأسهم الزعيم سليمان فرنجية فهل هؤلاء ليسوا بمسيحيين، يا صاحب الغبطة؟

 

قد لُدِغ الرئيس سعدالدين الحريري من «القوات» مرتين: الأولى عندما أرسل الرئيس سعد الحريري الدكتور غطاس خوري للقاء جعجع، فوُعِدَ بالخير… لكن في الثانية بعد منتصف الليل تلقى الحريري اتصالاً من النائب ستريدا جعجع تبلغه قرار «القوات» بعدم تأييده.. بحجة أنّ المكتب السياسي لـ»القوات اللبنانية»، وبعد اجتماعات مطوّلة اتخذ قرار «عدم التأييد».

 

بالله عليكم… من يصدّق أنّ هذا القرار صادر عن المجلس السياسي من دون موافقة جعجع.

 

ولدغ الحريري من «القوات» مرّة ثانية، عندما اتخذ الرئيس الحريري قراره الجريء و»الانتحاري» بترشيح نفسه لإنقاذ لبنان… هنا رفض جعجع أيضاً، متذرّعاً بمشروع وهمي هو انتخابات مبكرة…

 

يا دكتور سمير جعجع.. كان لـ»القوات» ستة نواب في المجلس ولم تفعلوا شيئاً، سوى ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة، والرئيس عون كما يعرف كل متابع للأمور، أوصل لبنان الى الحضيض..

 

بتأييدك يا حضرة الدكتور مجيء العماد عون أنهيت البلد. لقد تناسيت تجربتك معه في حرب السنتين، يوم كان الجنرال رئيس حكومة إنتقالية… وأنت يا دكتور سمير تعرف التتمّة.

 

اليوم أنتم في المجلس الحالي 15 نائباً… فماذا فعلتم بجبران باسيل… لا شيء بالتأكيد.

 

نعود لغبطة البطريرك الذي نحترم ونجلّ ونقدّر… لنقول: إنّ الذي يدير ظهره للمسيحيين هم المسيحيون أنفسهم الذين عطّلوا الدستور و»خلقوا» الفراغات كرمى لعيني فلان..

 

ونذكّر غبطته بالحلف بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» ألم يكن هذا الحلف استسلاماً لمشيئة حزب يجثم على صدر لبنان…

 

كم ترددت في توجيه هذه الرسالة لغبطته، لكن احترامه وتقديره جعلنا نطالب سعة صدره بتقبّل هذه الآراء.. فالظلم يا صاحب الغبطة أشدّ مضاضة على النفس من وقع الحسام المهنّدِ.