IMLebanon

قمة المناخ أم قمة الكذب؟

 

حماسة الامين العام للامم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لقضية تغير المناخ ودعوته الى قمة للمناخ في مقر المنظمة الدولية، لن تغيّر شيئاً في الاتجاهات الدراماتيكية لهذه القضية، رغم أن ما كان متوقعاً بات مؤكّداً لجهة ارتفاع حرارة الأرض في السنوات الخمس الأخيرة، وزيادة الأعاصير والفيضانات والجفاف، وتسارع معدلات ذوبان الجليد.

 

وفي ضوء عدم استجابة الرئيس الاميركي دونالد ترامب للدعوة وتفضيله أن يكون في مكان آخر وقت انعقاد القمة، وبعد حذو كل من البرازيل واستراليا حذو الولايات المتحدة، لا يعود لهذه القمة من معنى، الا لناحية الدعاية، إذ إنها تتزامن مع تحركات وتظاهرات شبابية حول العالم. وحتى لو شاركت الولايات المتحدة في القمة، فإن الخطابات التي تطلق عادة في مثل هذه القمم المماثلة، لا تغير شيئاً في الاتجاهات العالمية للدول، لا سيما الكبرى منها، التي لا تزال بعيدة جداً عن الوفاء بالتزاماتها لمتطلبات إنقاذ المناخ عبر خفض الانبعاثات، فضلاً عن أن القمة غير رسمية وقراراتها ليست ملزمة، ولا تأتي ضمن الدورة الـ25 لـ«مؤتمر الأطراف حول المناخ» المقرر عقده نهاية العام في تشيلي، أو الدورة الـ26 المفصلية التي تعقد العام المقبل في غلاسكو الاسكتلندية، كونها تأتي عشية بدء تطبيق اتفاقية باريس.

لعل السؤال الذي يطرح بإلحاح حول هذه الوقائع: لماذا الاستمرار في عقد هذه المؤتمرات ما دامت النتيجة معروفة؟ ولماذا تنجح مؤتمرات أخرى حول قضايا مماثلة مثل معالجة قضية ثقب الأوزون، فيما تفشل الدول في معالجة قضية أكبر وأخطر عالمياً مثل تغير المناخ؟

في «اليوم العالمي للأوزون» الذي عُقد الاسبوع الماضي، أشارت التقارير العلمية إلى أن ثقب الأوزون بدأ بالالتحام بعدما نجحت دول العالم في تخفيف استخدام المواد المستنفدة لطبقة الأوزون، وفي الالتزام بمتطلبات الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية ذات الصلة، مثل بروتوكول مونتريال لحماية طبقة الاوزون (العام 1987) الذي أقرّت فيه دول العالم بالمواد المستنفدة لطبقة الأوزون ووضعت جداول زمنية للتخلص منها مع تحديد المواد البديلة (حتى إن بلداً صغيراً كلبنان أعلن الاسبوع الماضي خفض استخدام المواد المستنفدة لطبقة الاوزون بنسبة 57%، والاتجاه إلى خفض مادة الكلور المؤذية لطبقة الاوزون ومواد الهيدرو كلورو فلور كربون المستخدمة خصوصاً في وسائل التكييف المركزية).

يقرّ المتابعون للقضايا البيئية العالمية بأن نسبة النجاح العالية في تطبيق بروتوكولات الاوزون كانت أسهل بما لا يقاس من تطبيق بروتوكولات تغير المناخ. فمشكلة الاوزون مرتبطة باستخدام مواد كيميائية محددة، يمكن الاستغناء عنها أو استبدالها بسرعة، مثل بعض الغازات المستخدمة في التكييف أو التعطير. ورغم صعوبة الاستغناء عن هذه المواد عندما تستخدم طبياً (لا سيما لأمراض الربو) أو لإطفاء الحرائق، أُوجدت لها بدائل لا سيما في الدول المتقدمة صناعياً. إلا أن ذلك لم يمنع من التأخر في إيجاد البدائل في البلدان النامية أو حتى المصنفة ناشئة كالصين. فالأخيرة لم تلتزم بعد ببروتوكول مونتريال ولا تزال تستخدم المواد المؤذية للأوزون على أوسع نطاق صناعي وتجاري في العالم، وهي طالبت بتعويض يقدر بـ500 مليون دولار لتجديد مصانعها واستبدال مواد الكلور المستخدمة في صناعاتها، لكنّ احداً لم يمنحها هذا التعويض، في حين حصل بلد مثل الهند على 150 مليون دولار للغاية نفسها! وهو ما يمكن الاستنتاج معه أن مواضيع البيئة والمناخ لا تنفصل عن الصراع التجاري العالمي حول المواد والاسواق والطاقة، وان مشكلة المناخ، تحديداً، لن تجد من يعالجها، طالما استمر الصراع في العالم حول مصادر الطاقة التقليدية، وطالما بقينا ضمن قواعد اقتصاد السوق القائم على المنافسة.

وكما في لبنان، كذلك في العالم لناحية ازدواجية المعايير، واعلان الالتزامات المتناقضة، والتستر على الحقائق وعدم الامتثال، واعتبار قضايا البيئة والمناخ ذات اولوية في العلن والعمل بشكل معاد للبيئة بالفعل في الآن نفسه! ففي وقت يهتم فيه وفد بالمشاركة في فعاليات بروتوكول مونتريال للاعلان عن مدى التزام لبنان بالحد من المواد المستنفدة لطبقة الاوزون ومشاركة وفد آخر في قمة الامم المتحدة حول المناخ لتقديم مدى مساهمة لبنان الوطنية في تخفيض الانبعاثات… يستعد لبنان، في الوقت نفسه، للإعلان رسمياً، الشهر المقبل، عن بدء التنقيب عن الغاز والنفط في مياهه الاقليمية والبدء بما يسمى «الحفر الاستكشافي». وهي خطوة معاكسة تماماً لأي التزام بخفض الانبعاثات المسبّبة لتغير المناخ، شبيهة بالتزامات دول كبرى، تعد بالاتجاه الى الاستثمار في الطاقات المتجددة، وتعترف بأن درجات حرارة الارض ترتفع بشكل أكيد وخطير وبذوبان الجليد السريع وغير المسبوق (مع ما يسببه من فيضانات وأعاصير)، الا أنها تتسابق للاستثمار في التنقيب عن النفط والغاز (المسبب الاول للظاهرة) في الأماكن التي كان يغطيها الجليد!