IMLebanon

صحة كلينتون.. وأميركا!

قبل خمسين يوًما على موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية٬ وعشية المناظرات الثلاث الحاسمة بين المرشحين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب٬ يبدو السجال الانتخابي بينهما كأنه مستمر في تهميش القضايا الأساسية التي ينتظرها الأميركيون والعالم أيًضا٬ فبدلاً من أن يتمحور حول القضايا السياسية والاقتصادية على المستويين الداخلي والخارجي٬ تدهور نحو نوع من الشجار النافر والاشتباك المستهجن حول الأمور الشخصية والأخلاقية والمثالب لكل منهما.

مقالات كثيرة في الصحف الأميركية تعكس إحساًسا بالخيبة والإحباط منذ أشهر حيال مضامين الخطاب الانتخابي فهي ليست في المستوى المنتظر في أميركا والخارج٬ وخصوًصا في هذه المرحلة المضطربة التي تهيمن على العلاقات الدولية وارتفاع منسوب الحذر من ملامح أزمة ركود اقتصادي على المستوى الدولي٬ إضافة طبًعا إلى التحديات التي تطرحها مسألة الإرهاب على أميركا والأسرة الدولية.

من التراشق حول الأمور الشخصية٬ وكان آخرها الإعلان التلفزيوني المضحك الذي نظمته حملة كلينتون الانتخابية وكان بعنوان «shirts «أي قمصان٬ وهدفه القول: إن كل منتجات ترامب التجارية تصنع في 12 بلًدا خارج أميركا٬ وهو ما دفع أحد المعلقين إلى القول تهكًما «حتى أميركا أصبحت «china in made«٬ إلى الأمور المتعلقة بصحة هيلاري كلينتون التي طالما تناولها ترامب٬ والتي انفجرت أخيًرا مرتين متتاليتين في عشرة أيام:

­ أولا عندما نشر مكتب التحقيقات الفيدرالي «i.b.f «تقريًرا حساًسا بدا كأنه ذخيرة قوية لحملة ترامب٬ وكان عن التحقيق الذي أجراه في قضية استخدامها بريدها الإلكترونيى الخاص في مراسلاتها كوزيرة للخارجية٬ وخلاصته أنها والفريق الذي أدارته في وزارة الخارجية كانوا في منتهى الإهمال في تعاملهم مع معلومات سرية وحساسة للغاية.

ولم يتوقف التقرير عند هذا بل رفع سلاًحا ثقيلاً في وجهها عندما جاء فيه حرفًيا أن «كلينتون تعرضت في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2012 لارتجاج دماغي وكانت تعاني قرابة رأس السنة من تجلّط دموي في الدماغ٬ ووفًقا لتعليمات أطبائها لم يكن بإمكانها العمل في وزارة الخارجية سوى بضع ساعات يومًيا٬ ولم تستطع أن تتذكر كل جلسات الإحاطة التي كانت تحضرها»!

­ ثانًيا الوعكة المفاجئة التي أصابتها يوم الأحد الماضي٬ عندما كانت تحضر مراسم ذكرى 11 سبتمبر (أيلول) واضطرت إلى المغادرة بعد تسعين دقيقة لشعورها بـ«الحمى ونقص في المياه» كما أُعلن٬ لكن الفيديو الذي التقط لها وهي تسير مترنحة وعلى وشك السقوط يسندها مرافقوها ورجال الأمن٬ وجه ضربة قوية إلى حملتها وطرح تساؤلات محمومة حول قدرتها على تولي مسؤوليات الرئاسة.

ترامب الموتور عادة تصرف بلياقة بناء لنصيحة مستشاريه عندما قال: «أتمنى لها الشفاء العاجل وآمل أن تتعافى قريًبا وتستأنف مشاركتها في السباق الانتخابي وأن نتلاقى في المناظرة العامة»٬ لكنه تعّمد التحذير من أن الحالة الصحية للمرشحين الرئاسيين تشّكل عاملاً يؤثر على الحملة الانتخابية.

كل هذا لا يعني أن الأميركيين نسوا قوله دائًما «أين هيلاري؟.. إنها في الفراش»!

يوم الاثنين عندما قرأ الأميركيون تغريدة كلينتون على «تويتر»: «شكًرا للذين اتصلوا وأرسلوا تمنياتهم أشعر أنني بخير أنا أتحسن وسأستأنف حملتي قريًبا وأنتظر ذلك بفارغ الصبر»٬ لم يتوقفوا كثيًرا عند مسألة إصابتها بالتهاب رئوي٬ بل تمعنوا طويلاً في كثير من المقالات والتحليلات التي نشرتها وسائل الإعلام الأميركية تعليًقا على أخبار غير مؤكدة٬ عن أن الحزب الديمقراطي قد يضطر إلى استبدال كلينتون بنائبها تيم كين٬ أو بنائب الرئيس الحالي جو بايدن رغم أن بايدن كان مصاًبا بسرطان الجلد وبكثير من الجروح نتيجة مشاركته في الحروب.

السؤال الذي يرتسم في خلاصات الحديث عن مجرد التفكير في استبدال الحزب الجمهوري حصانه في السباق الانتخابي قبيل أقل من شهرين٬ وبعدما تمكن ترامب من أن يقلص الفارق بينه وبين كلينتون من 12 إلى 5 نقاط عشية حادث الإغماء في ذكرى 11 سبتمبر٬ يبرز من خلال ما قال أحد المذيعين في محطة «TV bloomberg :«هل تهاوى برج أحلام الديمقراطيين الرئاسي كما سبق أن تهاوى البرجان في ziro graound؟

والسؤال الأكثر واقعية تطرحه صحيفة «واشنطن بوست» وقناة «c b i «هل الحالة الصحية وكذلك فضائح البريد الإلكتروني لكلينتون٬ وحدها التي ستفتح نافذة أمام دونالد ترامب للحاق بها وخصوًصا إذا تمكن من أن يثبت أو يتقدم عليها في المناظرات الثلاث٬ وهل سيضطر فعلاً الحزب الديمقراطي إلى استبدالها عشية الانتخابات؟

يأتي هذا على خلفية ارتفاع نسبة الحذر والشكوك بعد حادث الأحد٬ الذي أعاد إلى الأذهان تقريًرا عنوانه «تاريخ كلينتون الطبي» سبق أن نشرته ليزا بارداك طبيبة كلينتون الخاصة رًدا على اتهامات ترامب٬ وفيه أنها كانت تعاني من قصور في الغدة الدرقية وتعرضت لإغماء سابق وارتجاج في المخ ولعدة جلطات في الدم٬ وأنها تتناول مادة مضادة للتخثر كوقاية احترازية٬ لكن بارداك أّكدت أن كشًفا طبًيا روتينًيا عام 2013 أظهر زوال كل مفاعيل الارتجاج بصورة كاملة وذوباًنا تاًما لكتلة الدم المتخثرة!

كلينتون التي لا تكشف كل وضعها الصحي تعرف جيًدا أن تاريخ الرؤساء في أميركا لا يخلو من الأمراض٬ فالرئيس غروفر كليفلاند خضع سًرا عام 1893 لإزالة ورم سرطاني في الفم٬ ورونالد ريغان عام 1994 كان مصاًبا بالزهايمر٬ أيًضا وودورد ويلسون تعرض لسكتات دماغية قبيل انتخابه٬ وفرانكلين روزفلت كان يعاني من الشلل ومن قصور قلبي احتقاني٬ وجون كيندي من آلام في الظهر.

كلينتون تبتعد عن الحديث عن وضعها الصحي بما لا يعطي ترامب ذخيرة إضافية بعدما قال طبيبه الخاص إن صحته ممتازة٬ لكن انزلاق معركة انتخاب رئيس أقوى دولة في العالم من التراشق بالاتهامات الشخصية إلى التجريح الرخيص٬ يشكل صدمة عن النخب في الحزبين الجمهوري والديمقراطي على السواء٬ إضافة إلى أن الوضع الصحي للمرشحين لقيادة أميركا يشكل مسألة طبيعية وفي غاية الجدية لأن الجميع يريدون التثّبت من أن الذي يصوتون له قادر على إنجاز مهماته القيادية.

ولأن مستوى السجال الانتخابي يبقى هامشًيا بالنسبة إلى المسائل السياسية والاقتصادية ودور أميركا على المسرح الدولي٬ كان من المفاجئ جًدا الإحصاء الذي أجرته مؤسسة «reports rasmussen «وبّين أن شعبية كٍل من المرشحين كلينتون وترامب قد انخفضت داخل حزب كل منهما٬ هذا في وقت تبدو الأوساط العسكرية أكثر انجذاًبا إلى ترامب الذي يلّوح بالهراوات الغليظة!

قبل أسبوعين وّجه 88 ضابًطا أميركًيا متقاعًدا من ذوي الرتب العالية رسالة دعم له٬ ويوم الثلاثاء الماضي كان من المفاجئ أن يتمكن ترامب من استقطاب جيمس وولسي وهو المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية «A I C «في عهد بيل كلينتون٬ ليعمل معه بصفة كبير المستشارين٬ ذلك أنه يشاركه نظرته في إعادة بناء الجيش لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين!