شكّل رئيس الجمهورية هيئة دستورية وقانونية، لمراقبة دستورية القوانين، وكم من قانون صدر مخالف للدستور؟
العِلّة بالأساس سببها افتقاد المجلس لفرسان في التشريع. وأيضاً لأسباب تتعلّق بالرقابة على القوانين قبل أن تُصبح نافذة.
بالعودة إلى نصوص الدستور الفرنسي، نلحظ أنه نصّ على الرقابة المُسبقة على القوانين قبل إصدارها (a priori) أي إمكانية الطعن بالقوانين أمام المجلس الدستوري قبل أن يُصدرها رئيس الجمهورية، وينشرها في الجريدة الرسمية، وتُصبِح نافذة.
حتى أنه فَرَضَ إحالة رزمة من النصوص إلى المجلس الدستوري. بشكلٍ إلزامي (obligatoire) قبل إقرارها، ومنها النظام الداخلي لكل من الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، قبل وضعها موضع التنفيذ.
أمّا في لبنان فالرقابة على القوانين تأتي مؤخّرة (a posteriori)، بمعنى أنها تأتي اختيارية، للأشخاص الذين أجازت لهم المادة/19/ من الدستور الطعن.
وبالعودة إلى القوانين والتي يُصدرها المجلس النيابي، يتبيّن جليّاً أنها بغالبيّتها يعتريها الكَمّ الهائل من الشوائب الدستورية. لكن غالباً لا يُطعن فيها لحسابات سياسية وضيّقة.
ما يقتضي معه، تعديل قانون إنشاء المجلس الدستوري رقم 250/1993 وليس المادة/19/ من الدستور.
وهذا التعديل يجب أن يتناول إمكانية الرقابة المُسبقة، وإمكانية الطعن أمام المجلس الدستوري، قبل إصدار القانون ونشره وجعله نافذاً، وعدم الاكتفاء فقط بالرقابة المؤخّرة. تماشياً مع نظام الرقابة المعتمد في فرنسا لجهة دستورية القوانين.
علماً، أن المجلس الدستوري اللبناني كذلك الفرنسي ينتميان إلى النموذج الأوروبي أو “الكلسني” نسبةً إلى الفقيه “هانز كلسن” الذي كان سبّاقاً في المطالبة بفرض رقابة على دستورية القوانين.
مع الإشارة إلى أن الأنموذج الأوروبي يختلف عن الأنموذج الأميركي، المعمول به في الولايات المُتّحدة الأميركية منذ العام 1803.
فنظام الرقابة الأميركي، يُجيز لجميع المحاكم في البلاد ممارسة دورها في الرقابة الشائعة (contrôle diffus). والمقصود بذلك، أنه حين عرض أي مُنازعة أمام أي محكمة وحتى المحكمة العُليا، فيحقّ لهذه المحكمة أن تحكُم بدستورية أو عدم دستورية القانون المُسند إليه الادّعاء. وذلك مُجرّد أن يُدلي المدعى عليه بدفع شكلي بعدم دستورية القانون (exception d’inconstitutionnalité).
علماً، أن هذا النظام شهد تجاذباً بين المحاكم، حتى استقرّ اجتهاد المحكمة العُليا الفدرالية على اعتبار أن صلاحية تفسير الدستور في أي قضية (case) أو نزاع (controversy) هو من اختصاص المحاكم والسلطة القضائية.
مع الإشارة، إلى أن المحاكم في الولايات المتّحدة الأميركية، لا صلاحية لها بإلغاء القانون فيما لو ارتأت أنه مخالف للدستور. إنما فقط تحكُم بعدم دستوريته في هذا النزاع حصراً. فالقرار لا يتمتّع بقوّة القضية المحكمة تجاه الكافة، بل فقط تجاه أفرقاء النزاع دون سواهم.
صحيح أن لبنان التحق بالدول الأوروبية في ما خصّ الرقابة المؤخّرة. في حين انفردت فرنسا باعتماد الرقابة المُسبقة. لكن الأنسب هو الالتحاق بالتجربة الفرنسية التي تنصّ على الرقابة المُسبقة (المادة/61/ من الدستور الفرنسي) أي أن يُفتح باب الطعن أمام المجلس الدستوري قبل أن يُصدِر رئيس الجمهورية القانون (promulgation) وقبل نشره (publication) وقبل أن يُصبِح نافذاً. أي ممارسة رقابة احترازية أو وقائية (contrôle préventif) على القانون المذكور.
وانطلاقاً ممّا تقدّم،
فإن الهيئة والتي شكّلها رئيس الجمهورية، ستكون مهمّتها الرقابة المؤخّرة على القوانين بعد إقرارها، والرقابة المُسبقة قبل إصدارها من رئيس الدولة ونشرها أصولاً. مع التأكيد أنّ هذه الهيئة تضُّم خِيرة من القُضاة والعلماء وفقهاء الدستور، يُشهد لهم بمناقبيّتهم وعلمهم وموضوعيّتهم وحِسّهم الوطني.
مع الأمل، أن يتضمّن مجلسنا المُقبل (مجلس 2026) وفرةً في علماء التشريع. حتى لا يبقى التشريع في مجلسنا هواية وتبادُل هدايا بين الكتل.