IMLebanon

الفساد.. ولكن!

لا يمكن بأي حال من الأحوال إلا التنويه والشدّ على أيادي الوزيرين وائل ابو فاعور وعلي حسن خليل في حملتيهما على الفساد الغذائي والمالي. فهذه هي المرة الأولى في تاريخ لبنان التي يتصدى فيها وزيران للفساد بمثل هذا المستوى. حصلت في السابق محاولات من هذا النظير، لكنها لم تبلغ العيار الثقيل الذي بلغته اليوم.

وليس سرا أن ثمة تغطية وازنة يتمتع بها الوزيران من مرجعيتيهما السياسيتين، الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، وهما يعرفان سلفا أن ثمة من يتربص بهما شرا ويسعى لعرقلة جهودهما، ويعرفان أيضا أن هذه الحملة ما كانت لتنجح لولا هذا الغطاء السياسي من رجلين قويين ونافذين في التركيبة السياسية والطائفية اللبنانية. ولذلك أسقط في يد أصحاب المصالح في مواجهة هذه الحملة، وبينهم من ينتمي الى طائفتي الوزيرين وكان يعتقد أنه يحظى بغطاء المرجعيتين.

وأياً تكن الأهداف السياسية التي يبتغيها الرئيس بري والنائب جنبلاط من وراء هذه الحملة، والتي تأخذ جدلا واسعا في مختلف الأوساط لفك رموزها، فإن المواطن الذي يريد أن يأكل عنبا لا أن يقتل الناطور، لا يعير اهتماما لهذا الجدل الذي لا يعنيه، بقدر ما يعنيه الحصول على رغيف نظيف وخدمات مالية وعقارية سليمة بلا رشوة ولا مرتشين، واستعادة أملاك الدولة التي سطت عليها عصابات نافذة خلال سنوات الحرب والاحتلال والوصاية.

كل ذلك جميل، وجميل جدا، في زمن الغياب المزمن للدولة ومؤسساتها الرقابية، لكن الأجمل من ذلك أن تصل هذه الحملة الى منتهاها المنشود، بحيث يستعيد المواطن حقه في لقمة خالية من التلوث، وسند شقة لا يضطر المواطن معه الى إبقاء يده في جيبه، وطبابة لا يقضي فيها المريض على أبواب المستشفيات، وعملية تجميل «لا تشوه حسن نسائنا».. الى آخر المنظومة المعروفة في الدوائر الرسمية. وهذا يتطلب الكثير من الجهد والإجراءات الصارمة، وقبل ذلك الكثير من الواقعية.

فالفساد ليس رجلا نقتله ونرتاح من شروره. وما من بلد في العالم يخلو من هذه الآفة. لكن ثمة فرقا شاسعا بين أن يكون الفساد لصا فارا من وجه العدالة، أو أن يكون ثقافة غالبا ما يتباهى القائمون بها، كالتهرب من الرسوم الجمركية والضرائب والسطو على الخدمات والأملاك العامة.

عندما تولى الإمام علي بن أبي طالب الخلافة الإسلامية، كان الفساد قد استشرى في أرجاء الدولة التي امتدت من بلاد فارس الى مصر. وقد حاول الإمام جاهدا قطع دابر الفساد وإعطاء المثل الصالح في الحكم العادل. وتدلل رسائله الشهيرة الى الولاة على نهجه الحكيم. لكن القيامة قامت في وجه الرجل ولم يستطع تحقيق غايته لأن الآليات لم تكن متوفرة لضرب هذه الآفة، وانتهت حياته باغتياله وهو يصلي في مسجد الكوفة، ومن بعده صار الفساد منهجا وثقافة. ولا نعتقد أن نبيه بري ووليد جنبلاط ووزيريهما، يدّعون أنهم أكثر حرصا على المال العام وسلامة الناس من الإمام علي، وأكثر قدرة على لجم الفاسدين.

وعليه، وكي لا تذهب جهود الوزيرين ومرجعيتيهما هباء منثورا، يفترض أن تتعزز هذه الحملة بإجراءات مكملة، أولها توسيع الإطار العام لمحاربة الفساد، وتعزيز الهيئات الرقابية وإطلاق يدها فعلا في المراقبة والمحاسبة، ورفع اليد عن القضاء، كي يعود «ما لقيصر لقيصر، وما لله لله».