IMLebanon

الفساد يستشري من رأس النظام الى أسافله

 

القمع الاجتماعي والسياسي والأدبي والفكري والفني ليس غريباً عن نظام توتاليتاري – ديني (متطرف) كإيران. فالإعدامات، وعمليات النفي، والترويع، والتهديد، والمراقبة، جزء من تكوينه، وممارساته، بل ووجوده.

المخرج الإيراني، الجريء، محمود راسولوف، «النزية» الليبرالي، يقاوم، على قدر ما يستطيع، سبل نظام الملالي و«آيات الله!»، من خلال أفلامه: كشف المستور، إعلان المسكوت عنه، إدانة الظواهر الدكتاتورية، الأحادية، الشمولية، وفضح حقيقة هذا النظام، المقنع بالإيمان والورع، والغارق في الفساد، والنهب، والظلم.

راسولوف عاد من منفاه بسبب فيلمه السابق «المخطوطات لا تحترق»، والذي أدانه النظام، وقرر أن يصنع فيلماً جديداً حول ظواهر الفساد المستشرية في بلاده، من أعلى القمة، إلى أسافلها.

الفيلم بعنوان «رجل نزيه»؟ وها هو المخرج يشرح كيف سمحت له الدولة بالتصوير، وكيف تلاعب بالسيناريو الحقيقي الذي لم يقدمه للرقابة.

وها هو يخشى اليوم من أن يُحكم عليه بالسجن 7 سنوات بسبب فيلمه الجديد.

تعرّض المخرج الإيراني محمد راسولوف لعاصفة اتهامات ونقد وتهديد من النظام بسبب فيلمه «رجل نزيه»، وهو ثريلر سياسي يدين ظاهرة الفساد المتمادية في بلاده.

فيلمه السابق «المخطوطات لا تحترق» (قدم في مهرجان كان في قسم «نظرة ما»)، أدى إلى نفيه من البلد. وعندما عاد إلى موطنه، صعقته ظاهرة الفساد «لطالما وجدت، لكنها توسعت وكبرت اليوم حتى أمست ظاهرة كالشمس كالعيان، وتكاد تكون شاملة» كما قال راسولوف.

عندما تلتقي الشرطي في السيارة، تخاف أن يطلب منك «بقشيشاً». هل يمكن النجاة من هذا الوباء؟

رضى، بطل الفيلم، يأمل ذلك، هو الذي هرب من المدينة مع عائلته. لكن الواقع سيمسك به. المجتمع الإيراني، كما يقول، من دون أي اختيار: «أو يكون قامعاً أو مقموعاً».

يكون الفيلم دراما اجتماعية؟ ثريلر ؟ إلى أي نوع ينتمي فيلم «رجل نزيه»؟

«إنه موضوع يقود النوع بالمقلوب»، كما يقول المخرج. يصف راسولوف في عمله انهيار البلاد أخلاقياً، ولهذا، له إحالات سياسية. وقد حدّد راسولوف قاعدة بأن يلغي أي التباس، وكذلك كل التفاصيل التي لا ترتبط بالموضوع الرئيسي. معركة البطل تكمن في مواجهته شركة غامضة تطارده. الضغط يطلع من هذا الإنجاز «لعبت بالإضاءة، طمستُ الضوء، حيث يهدأ رضى، وفي الخارج برد شديد، وهو يكمن راصداً. طلبت من رضى أو لاكيراد أن يحافظ على هدوء أعصابه وبرودته. علينا أن نحسّه صُلباً ومستعد أن ينفجر في أي لحظة».

ليس من السهل الحصول على إذن التصوير في إيران.. وقد لجأ المخرج إلى المراوغة. يقول «بعد خمسة أشهر من المعارك، وافقت الدولة على التصوير شرط أن أصنع فيلماً إيجابياً عن بلادي. لكن بين السيناريو الذي قرأوه، والسيناريو الذي صوّرته، حدثت تغييرات. عملاء من السلطة كانوا أحياناً يزوّرون اللقطات، وزوايا التصوير خصوصاً في مشهد يحدث في المقبرة. عندها صورنا «سكريبت» آخر. وانتظرنا حتى اليوم التالي لنصور السيناريو الحقيقي». صعوبة أخرى: ايجاد الممثلة التي تقبل تجسيد شخصية المرأة المسلمة. ولا واحدة وافقت، فكلهن كن يخشينَ الاعتداء أو الهجوم في بلد على مثل هذه الحالة الدينية!

وقد يحكم على محمد راسولوف بالسجن سبع سنوات.

أخطاؤه: توقيعه أفلاماً مثل «الى اللقاء»، «رجل نزيه» اللذين «يشوهان صورة إيران».

يقول «هذا النظام التوتاليتاري لا يحمل أي نظرة تفضح حقيقته». فالمخرج لا يستطيع الخروج من بلاده اليوم (المقابلة تمت في سكايب)، ويعيش خائفاً من اعتقاله أو أسوأ من ذلك. يضيف «أمي تكرر دائماً وتطلب مني أن أنتبه وأنا أعبر الشارع. وهي مصيبة، فالإعدام الجسدي موجود. مع هذا فأنا غير آسف على شيء، فأنا لا أفعل سوى ما يتوجب عليّ فعله في مهنتي: نقل الحقيقة، فتح عيون المشاهدين، ومساعدتهم على مساءلة أنفسهم حول المجتمع.

إنه جوهر السينما بالذات.

ترجمة وتقديم بول شاوول

كلام الصور

1 – محمد راسولوف

2 – مشهد من «رجل نزيه»

نبذة

مضى أكثر من ثلاثة أشهر ولم يرَ المخرج الإيراني محمد راسولوف زوجته وابنته في هامبورغ بعيداً من جنون الملالي. لقد احتجز باسبوره في أيلول الماضي، لدى عودته من مهرجان تيليرايد في الولايات المتحدة. وكان يقدم هناك فيلمه «رجل نزيه»، جلجلة لفنان وعائلته، الذين اختنقوا بالفساد المستشري في المجتمع الإيراني.

قبل أربعة أشهر، قدم راسولوف فيلمه في مهرجان كان في قسم «نظرة ما»، في اليوم الذي انتخب فيه الرئيس المعتدل حسن روحاني رئيساً لإيران، وحصد جائزة «نظرة ما».

لِمَ هذا العقاب؟ يجيب المخرج «ليس هناك أي تماسك إداري في إيران»، «عدة سلطات يمكن أن تتصرف بالتناقض مع نفسها. فحكومة روحاني لا علاقة لها بحجز جواز سفري. بل أعطتني الإذن بتصوير»رجل نزيه«. من ناحية أخرى، بعض المتولّين أمور الرقابة يجدون هذا النوع من الضغط غير منتج. وحجز جواز سفري يصدر عن مخابرات الحرس الثوري، وهي ميليشيا تدعي حماية الثقافة. لكن، حتى ولو كان الوضع الحالي أفضل من أيام أحمدي نجاد، فإن روحاني وحكومته ليسا فرسان الحرية. ولا شيء في العمق يفصلهما عن الحرس الثوري. في عهد أحمدي نجاد كنّا ننطح صخرة، وفي عهد روحاني ننطح خشباً».

وراسولوف كان يعرف أنه تحت تهديد هذا القرار؛ ولطالما رفض الهروب. منذ 2010، وهو التاريخ الذي كان مع زميله المخرج جعفر باناهي، قد اعتقلا وهما في عز تحضيرهما لفيلم مشترك بتهمة «أفعال دعاية مضرة للجمهورية الإسلامية في إيران»، فسجن عاماً واحداً.

اليوم، ها هو متهم أيضاً «بالمس بالأمن القومي»، و«بنشر بروباغاندا ضد النظام»، وقد يُسجن سبع سنوات.

يقول»كل يوم، يمكن أن أتلقى اتصالاً هاتفياً، يستدعيني إلى استجواب أو محاكمة. والعيش في ظل هذا الانتظار يُعذّب، وينهك. ولهذا يجب تجاهله. اقرأ، اكتب، أشاهد أفلاماً، وأقول لنفسي دائماً، إذا خطرت فكرة سأجد وسيلة للحصول على كاميرا.. إنه الجانب الإيجابي للتكنولوجيا، فالمواد تزداد سهولة وحصولاً عليها. حتى بهاتف يمكن أن نصنع أشياء مهمة.. ولا أستغني عنها، لأنني أعتقد بأنني لم أرتكب أي خطأ«.

ويضيف «قبل عامين ونصف عندما قدمت طلب الإذن الرسمي بتصوير هذا الفيلم، قلت بوضوح لممثلي حكومة روحاني: أنا مخرج سينمائي، وعندي نظرة نقدية، وأنا إصلاحي». وعلى هذا الأساس قدم لجهاز الرقابة نسخة من سيناريو معدل، وصور بطريقة سرية المشاهد الحساسة، بحسب رؤيته، لطرح المسألة. لكن فوجئوا بالفيلم بعدما أنجز نهائياً.

ودعماً للمخرج، صاغت شركة التوزيع «ARP» التي روجت «رجل نزيه»، في فرنسا، عريضة، جمعت نحو 13 ألف توقيع حتى اليوم. يقول راسولوف «كنت في الصمت، أحس وكأنني منسي، وقد أفقد وسائلي وأسقط. في الحد الأدنى شجعني هذا الدعم، وشد من عزيمتي. إنه ثمين جداً. فأنا بت أعرف أنني لست وحدي ويمكنني أن استمر»..

لكن ما عساه ينتظر من معركته، سوى أفلام كبيرة، عندما نعرف أن ولا فيلم من هذه الأفلام ستسمح السلطات الإيرانية بعرضه في إيران؟

بعض D.V.D، المقرصنة، توزع وتخبأ تحت المعاطف كما يقول راسولوف، مما يسمح للعديد من الأشخاص بمتابعة عملي. من ناحية أرغب في أن تطرح الأجيال الشابة على نفسها الأسئلة الجيدة…

ترجمة وتقديم بول شاوول

*عن»لونوفيل أوبسرفاتور”، و«مجلة استديو» السينمائية.

كلام الصور

محمد راسولوف

مشهد من فيلمه «الرجل النزيه»